وإذا تركنا هذا الجدل اللفظي الذي جرى بين الفريقين ونزلنا إلى المجال الفقهي التطبيقي نجد أن الخلاف يكاد ينحصر في مسألة فقهية واحدة ذات صور عديدة وهي مسألة بيع الآجال، ولا تشغل هذه المسألة من أقسام الذرائع الثلاثة (بحسب ما اتفق عليه وما اختلف فيه) إلا حيزا من أحد هذه الأقسام. وقد جاء هذا التقسيم للقرافي –رحمه الله- على النحو التالي:
القسم الأول: ما أجمعت الأمة على سده وحسم ضرره مثل: حفر الآبار دون سياج في ممرات المسلمين، وكوضع السم في طعامهم، وكسب الأصنام عند أهلها الذين يعلم من حالهم أنهم يسبون الله تعالى عند سبها.
القسم الثاني: ما أجمعت الأمة على عدم سده تجاوزا عن مضرتها المحتملة والتي يمكن التصدي لها من وجوه أخرى إلى اعتبار مصلحتها المتأكدة، مثل: التجاور في السكنى الذي هو ذريعة للزنى، ومثل: زراعة العنب باعتبار أنه ذريعة لشرب الخمر.
القسم الثالث: ما اختلف فيه العلماء باعتبار أنه ذريعة إلى مفسدة محتملة، مثل: بيوع الآجال تصير ذريعة إلى التعامل بالربا كمن باع سلعة بعشرة إلى أجل ثم اشتراها من مشتريها نقدا بخمسة قبل الأجل.
فالإجماع حاصل بين الفريقين حول القسم الأول والقسم الثاني وتحدد الخلاف بينهما في القسم الثالث وحده، ويكاد لا يتجاوز مسألة بيوع الآجال مع بعض المسائل الأخرى مثل بيع السلاح في زمن الفتنة، أو لقاطع طريق، وبيع العنب للخمار الذي يعصره خمرًا ... إلخ.