للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالفروق بين الحيل والذرائع ثلاثة:

الأول: ما بينهما من عموم وخصوص.

الثاني: توقف الحيل على القصد دون الذرائع.

الثالث: حتمية إبطال مقصد شرعي في الحيل ولا يكون ذلك في سد الذرائع.

ويبدوا أن الإجماع حاصل حول القول بمنع الحيل التي تؤول إلى إسقاط حكم أو إبطال مقصد شرعي صراحة وبوضوح، وإن أجاز بعض فقهاء الحنفية وبعض الشافعية هذه الحيل التي لم يقصد بها إبطال الأحكام صراحة.

وقال بمنعها مالك والشافعي وأحمد منعا مطلقا بناء على أن الشريعة قائمة أساسا على مصالح مقصودة، وأن كل الوسائل والذرائع التي تفوت هذه المصالح يجب سدها.

ويستند المجيزون للحيل الشرعية (كما يسمونها) على جملة من الأدلة النقلية من الكتاب والسنة، يقول عنها شيخ الإسلام ابن عاشور في مقاصد الشريعة الإسلامية: "من يجعل المكابرة ظهريا يوقن بأن ما يجلب لصحة التحليل الشرعي من الأدلة، إنما هي أدلة غير متبصر بها، ولا يعسر عليه بعد هذا تنزيلها منازلها وإبداء الفروق بينها". من هذه الأدلة: ما روي في الموطأ وصحيح مسلم أنه لما أبطل التبني، وكان سالم مولى أبي حذيفة متبنيا لأبي حذيفة، فجاءت سهلة بنت سهيل زوج أبي حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله إن سالما يدخل علينا وأنا فضل، وليس لنا إلا بيت واحد" فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرضعيه تحرمي عليه)) فقالت: يا رسول الله كيف أرضعه وهو كبير؟ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((قد علمت أنه رجل كبير)) فقالت نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة وامتنعن –رضي الله عنهن- أن يدخل عليهن أحد بمثل هذه الرضاعة. وإذا أضفنا إلى ما قاله الزوجات الطاهرات وفعلنه وما قاله لهن صلى الله عليه وسلم بعد ذلك (في الأظهر) : ((انظرن من يدخل عليكن بالرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة)) لا يبقى لفقيه شك في كون الرضاعة، وفي كون ما حصل لسالم إنما هو رخصة أوجبتها شدة الوقع على نفس المؤمنين من جراء إبطال التبني مع عدم سبق تمهيد له.

فكان التراخيص للرفق مع حصول صورة حكم شرعي ليحصل احترام التشريع الجديد، ولا تقع مخالفته إلا في جزئية خاصة، وقد رخص فيها (١) .


(١) ابن عاشور. المقاصد: ١١٤-١١٥

<<  <  ج: ص:  >  >>