للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثال الحرص: ما حصل للصحابي أبي بكرة رضي الله عنه لما دخل المسجد فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم راكعًا، وخشي فوات الركعة وأحب أن يكون في الصف الأول تحصيلا لثوابه، فركع ومشى راكعا حتى أدرك الصف الأول. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زادك الله حرصا ولا تعد)) . مثال الورع: اتخاذ الآلة أو أية وسيلة أخرى للتوجه في الصلاة لعين القبلة في حين يكفيه معرفة الجهة على العموم، واتخاذ منبه لئلا يفوت وقت الصبح، وإلزام المريض نفسه بالصوم وهو مرخص له في الإفطار ومثله المسافر.

ومن ورع التخلص من الورطة باستخدام الألفاظ وتطويعها للإيهام كحال الرجل من أهل السنة ضمه مجلس من أهل الشيعة، لما سألوه: من أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أجاب: "الذي كانت ابنته تحته"، فأوهمهم أنه علي في حين يريد أبا بكر رضي الله عنهما، وذلك تبعا لاحتمال معاد الضميرين في الجملة.

وليس التغرير من صنف ما أسلفنا بل هو تحيل على الناس ليوقعهم في الفخ كمن يراود خصمه على الصلح لا بقصد الصلح ولكن بقصد تطمينه والحصول على إقراره.

وقد أشار المحققون من العلماء إلى علاقة التناقض القائمة بين سد الذرائع وتجويز الحيل إذ بسد الذرائع يمنع الجائز خشية الوقوع في المحرم أو في المفاسد، وبتجويز الحيل يفسح الطريق لذلك ومنع الحيل على القول به من طرف الجمهور يؤول إلى سد الذرائع كالذي تقرر شرعا من أن اليمين إذا تعلقت بحق الغير فإنها تكون على نية المستحلف (أي صاحب الحق الطالب لليمين) دفعا لتحيل الحالف، وإبقاء على نجاعة اليمين في فصل النزاعات.

وبهذا الاعتبار يكون بين الذرائع والحيل عموم وخصوص كما أن مجال التطبيق في الحيل: الأحوال الخاصة للتخلص من حق شرعي، أما الذرائع فمجالها الأحوال العامة.

ومن جهة أخرى فإن الحيل تتوقف على قصد المتحيل بخلاف الذرائع فهي تفضي إلى المفسدة سواء قصد الناس أو لم يقصدوا، كما أن الحيل لا تكون إلا مبطلة لمقصد شرعي بخلاف الذرائع فقد لا تكون مبطلة لمقصد شرعي، كما سيأتي بيانه في تقسيم الذرائع.

<<  <  ج: ص:  >  >>