للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل السادس

هل الأخذ بسد الذرائع مما اختص به المذهب المالكي أو أن الأخذ به ثابت في كل المذاهب وإن لم تصرح به؟

شواهد من فقه الأئمة الأربعة على العمل بسد الذرائع

سد الذريعة عند المالكية:

سد الذرائع من الأصول المهمة عند المالكية، وليس هناك من المذاهب من أخذ بسد الذرائع كمذهب مالك، لا سيما وهو أكثر المذاهب اعتمادًا على رعاية مصالح الناس وأعرافهم، ولهذا كان العمل بالمصلحة المرسلة أصلًا مستقلًا من أصول التشريع في مذهب مالك، وليس سد الذرائع إلا تطبيقًا عمليًا من تطبيقات العمل بالمصلحة، ولهذا عد من أصول مذهب مالك، وبالغ في ذلك بعض الفقهاء حتى عد سد الذرائع من أصول مذهب مالك خاصة.

والمتتبع لكتب المالكية في الأصول والفروع يرى أنهم يتجهون في سد الذرائع إلى سد وسائل الفساد، فكل ما يؤدي إلى فساد غالبًا فهو ممنوع، من غير تقييد بكون ذلك الفساد قد ينص عليه بنص خاص، أو كونه داخلًا في النهي العام عن الضرر والضرار وعن كل فساد، وإن الذرائع ينظر فيها إلى نتائجها، فإن كانت فسادًا واجب منعها لأن الفساد ممنوع فيمنع ما يؤدي إليه، وإن كانت مصلحة طلب الأخذ بها لأن المصلحة مطلوبة، ويسمى ذلك باب فتح الذرائع (١) .

وفتح باب الذرائع مأخوذ به عند مالك كسده ولذلك قال القرافي المالكي في فروقه: " اعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها وتكره وتندب وتباح، فإن الذريعة هي الوسيلة، فكما أن وسيلة المحرم محرمة فوسيلة الواجب واجبة " (٢) .

ومن هنا جاء وجوب الصناعات باعتبارها ذرائع للمصالح العامة التي يقوم عليها شأن العمران ولا يستغنى عنها الناس، وكان وجوبها على سبيل الكفاية لأن الناس ليسوا جميعًا مطالبين بأن يكونوا صناعًا.

ولقد بين في الفروق بعض التفصيل في القسم الثالث من الأقسام الثلاثة التي قسم إليها الذريعة، وهو الذي جرى فيه الاختلاف بين المجتهدين: أيسد أم لا؟ وذلك كبيوع الآجال، ويسميها الحنابلة والشافعية بيوع العينة.

ففي المذهب المالكي قال الدردير في كلامه على بيوع الآجال: هو بيع ظاهره الجواز لكنه قد أدى إلى ممنوع فيمتنع، ولو لم يقصد التوسل إلى ممنوع، سدًا للذريعة. وقال: ويمنع من البيوع ما أدى لممنوع يكثر قصده، كبيعة سلعة بعشرة لأجل ثم يشتريها بخمسة نقدًا أو لأجل، قال: فقد آل الأمر إلى رجوع السلعة لربها وقد دفع قليلًا وأعاد كثيراً (٣) .

فهذه وسيلة لسلف خمسة بعشرة إلى أجل بإظهار صورة البيع، لذلك يكون باطلًا.

والشافعي يقول: ينظر إلى صورة البيع ويحمل الأمر على ظاهره، فيجوز ذلك، وهذه البيوع يقال إنها تصل إلى ألف مسألة اختص بها مالك (٤) .


(١) مالك لأبي زهرة ص ٤١٥
(٢) الموافقات ج٢ ص ٣٣
(٣) الشرح الصغير ج٣ ص١١٦ ـ ١١٧
(٤) أصول الفقه أبو زهرة ص ٢٨٠

<<  <  ج: ص:  >  >>