للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شواهد سد الذرائع عند الحنابلة:

وافق الحنابلة المالكية في اعتمادهم على أصل سد الذرائع في كثير من الاستنباطات والأحكام الفقهية، ولكنهم لم يبلغوا في ذلك حد الكثرة التي أشرنا إليها في فقه المالكية (١) . وليس غريبًا على مذهب سلفي كمذهب الإمام أحمد أن يتجه إلى اعتبار سد الذرائع أصلًا صحيحًا في مجال التأصيل، والاعتماد عليه دليلًا في ميدان التطبيق؛ لأنه أصل أثبتت صحته النصوص من الكتاب والسنة وعمل السلف من الصحابة والتابعين (٢) .

ومذهب الإمام أحمد يتمسك بالنصوص ويتعلق بالآثار ويبحث عما كان عليه السلف لينهج منهجهم ويقول بقولهم، وإذا وجد النص أفتى بموجبه ولم يلتفت إلى من خالفه، ولا يقدم على النص عملًا ولا رأيا ولا قياسًا ولا قول صحابي، فإذا لم يكن في المسألة نص ولا قول صحابي ولا أثر مرسل أو ضعيف لجأ إلى الأصل الخامس وهو القياس فاستعمله، ويدخل في جملة القياس الصحيح عند الحنابلة: رعاية المصالح، ومن وجوه العمل بها: سد الذرائع وفتحها (٣) .

إن أحمد بن حنبل ومثله في ذلك مالك رضي الله عنه كان عند الحكم ينظر إلى المآلات فيقررها، ويمنع كل ما يؤدي في مآله إلى محرم ويقر كل ما يؤدي في مآله إلى مطلوب، وينظر في ذلك نظرًا كليًا وجزئيًا، فيحرم تلقي الركبان لكي لا يؤدي إلى غلاء الأسعار، فكان التحريم لأنه يؤدي إلى ضرر خاص بالبائعين وضرر عام بالمستهلكين، وكان المنع بالنسبة للمآلات منظورًا فيه إلى النتيجة المترتبة سواء أكانت مقصودًا أم غير مقصودًا، أما الإثم الأخروي فإنه ينظر إلى الباعث.

وقد قرر أنه إذا كان الباعث الخير، والنتيجة كانت شرًا غالبا أو مؤكدًا، منع الفعل مع نية الخير، اعتبارًا بالمآل والنتيجة (٤) .


(١) فتاوى ابن تيمية ج٣ ص ٢٧٣
(٢) أبو زهرة: ابن حنبل ٣٣١
(٣) سد الذرائع، محمد هشام البرهاني ص ٦٣٩
(٤) أحمد بن حنبل أبو زهرة ص ٣٢٣

<<  <  ج: ص:  >  >>