للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- عند الشاطبي:

واعتبر الشاطبي الذرائع من القواعد المبنية على اعتبار مآلات الأفعال وقال: إن مالكًا حكمها في أكثر أبواب الفقه.

لأن حقيقتها التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة، ثم مثل لها ببيع العينة، وهو ما إذا جعل مآل ذلك البيع مؤديًا إلى بيع خمسة نقدًا بعشرة إلى أجل وقال: ومن أسقط حكم الذرائع كالشافعي فإنه اعتبر المآل أيضًا؛ لأن البيع إذا كان مصلحة جاز وما وقع من البيع الثاني فتحصيل لمصلحة أخرى منفردة عن الأولى، فكل عقدة منهما لها مآلها، ومآلها في ظاهر أحكام الإسلام مصلحة، ولكن هذا بشرط أن لا يظهر قصد إلى المآل الممنوع، ويتفق مالك مع الشافعي باعتباره مؤديا إلى مفسدة (١) .

وبهذا يمكن أن نصل إلى الأمور الآتية:

أولًا: أن أصل سد الذرائع قال به أئمة المذاهب وأتباعهم في الجملة، فليس خاصًا بالمالكية كما أثبته القرافي، بل يمكن القول بأن المالكية قالوا به أكثر من غيرهم (٢) . والشاطبي نفسه قال: قاعدة الذرائع متفق عليها بين المذاهب في الجملة وإنما الخلاف بينهم في تحقيق المناط فلا يكون سد الذرائع عند الشافعي إلا إذا قصد الممنوع، وابن رشد من المالكية يرى أنه لا إثم على فاعله فيما بينه وبين الله حيث لم يقصد الممنوع والفساد إنما هو لاطراد حكم الحاكم فقط (٣) .

ثانيًا: ما كانت مفسدته راجحة على ما فيه من المصلحة، كسب آلهة المشركين، وهذا مما أجمع العلماء على المنع منه أيضًا، والمنع منه واضح من النصوص التي جاءت في الشريعة ونص عليه أنه من سد الذرائع.

ثالثا: ما كانت المفسدة فيه محتملة كزراعة العنب خشية الخمر، والتجاور في البيوت خشية الزنا، وهذا النوع أجمع العلماء على عدم سده، ومن ذلك ما كانت مصلحته راجحة على مفسدته كالنظر إلى المخطوبة، وكلمة حق عند سلطان جائر.

رابعًا: المختلف فيه هو ما تتساوى فيه المصلحة مع المفسدة، أو كان قصد المفسدة فيه غير ظاهر، وقد مثل له القرافي ببيوع الآجال، والنظر إلى المرأة (٤) .


(١) الشاطبي ج٤ ص ١٩٨ ـ ٢٠٠
(٢) الفروق ج٣ ص ٢٦٦، تهذيب الفروق ٣/ ٢٧٤، إرشاد الفحول ٢٤٦ ـ ٢٤٧
(٣) الموافقات ص ٤ ـ ٢٠٠ ـ ٢٠١
(٤) أصول مذهب الإمام أحمد ـ لعبد الله التركي ص٤٥٩

<<  <  ج: ص:  >  >>