للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقسام الذرائع باعتبار الحكم ورأي العلماء فيها

أ- عند القرافي:

والذرائع: أقسام ثلاثة باعتبار ما تفضي إليه من مصلحة أو مفسدة.

القسم الأول

ما أجمعت الأمة على منعه وسده وحسمه (١) . وهو كل مباح أو واجب أو مندوب أو مكروه يكون طريقًا ووسيلة إلى مفسدة، فيصير حرامًا بالتبع إلى ما يؤدي إليه.

فوسيلة المحرم محرمة: فالفاحشة حرام، والنظر إلى عورة الأجنبية حرام لأنها تؤدي إلى الفاحشة، وذلك لأن الشارع إذا كلف العباد أمرًا فكل ما يتعين وسيلة له مطلوب بطلبه، وإذا نهى الناس عن أمر فكل ما يؤدي إلى الوقوع فيه حرام أيضًا، فقد نهى عن التباغض والفرقة ونهى عن كل ما يؤدي إليها، ونهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، وأن يستام على سوم أخيه، أو يبتاع على بيعه، وما ذلك إلا لأنه ذريعة إلى التباغض المنهي عنه، فإذا حرم الشارع شيئًا وله وسائل تفضي إليه فإنه يحرمها تحقيقًا لتحريمه، ولو كانت في ذاتها مباحة، ومن غير المعقول أن يكون الشيء في ذاته ممنوعًا، وتباح الوسائل الموصلة إليه (٢) .

والنوع الأول هو الذي يعنيه الأصوليون عندما يخصصون الحديث على سد الذرائع غالبًا؛ لأن الذي يعنيهم أولًا إنما هو دفع الفساد.

كما أتفق علماء الأصول على أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها وتكره وتندب وتباح. يقول القرافي: إن الذريعة هي الوسيلة، فكما أن وسيلة المحرم محرمة فوسيلة الواجب واجبة كالسعي للجمعة والحج.

والوسيلة أنقص رتبة من المقاصد في حكمها، والوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما يتوسط متوسط، ومما يدل على حسن الوسائل الحسنة قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: ١٢٠] .

فقد أثابهم الله على الظمأ والنصب ولم يكونا من فعلهم بسبب أنهما حصلا لهم بسبب التوسل إلى الجهاد الذي هو لإعزاز الدين وصون المسلمين فيكون الاستعداد وسيلة الوسيلة.


(١) الفروق الجزء الثاني ص ٣٣
(٢) أوصل الأحكام للكبيسي ص ١٤٨

<<  <  ج: ص:  >  >>