الركن الثاني: الإفضاء:
وهوالذي يصل بين طرفي الذريعة، وهما الوسيلة والمتوسل إليه، وجرى استعمال كلمة الإفضاء للدلالة عليه، ويلاحظ في هذا الركن أمران:
الأمر الأول: الإفضاء أمر معنوي يحكم على وجوده أما بعد الإفضاء فعلا وإما تقديرًا.
١- أما الإفضاء فعلًا: وهو يكون بحصول المتوسل بعد حصول الوسيلة.
-كعصر الخمر بعد زراعة العنب.
-وكحصول الفاحشة بعد النظر إلى الأجنبية أو التحدث معها.
-أو وطء المحرم المحرمة بعد تطيبها بالنظر إلى أن التطيب من دواعي الوطء.
٢- الإفضاء تقديرا: وهو على وجوه:
الوجه الأول: أن يقصد فاعل الوسيلة التذرع إلى المتوسل إليه حقيقة، كمن يعقد النكاح على امرأة ليحللها لزوجها الأول، ومن يلجأ إلى صورة بيوع الآجال ليأخذ القليل بالكثير، ومن يحفر بئرًا خلف باب الدار ليقع فيها كل من يدخلها.
الوجه الثاني: ألا يقصد فاعلها التذرع، ولكن كثرة اتخاذها في العادة وسيلة مفضية للمتوسل إليه يجعلنا نحكم عليها بأنها وسيلة مفضية، كأن يبيع سلعتين بدينارين لشهر، ثم يشتري إحداهما بدينار نقدًا، فإننا نتهمه بالقصد إلى جمع بيع وسلف معًا ولو لم يقصد ذلك بالفعل.
الوجه الثالث: ألا يقصد فاعلها التذرع بها ولكنها قابلة من نفسها لأن يتخذها وسيلة للإفضاء بها إلى المتوسل إليه سواء أفضت بالفعل أو لم تفض، كسب آلهة المشركين، فإنها قابلة لأن تحمل المشركين على سب الإسلام أو النبي صلى الله عليه وسلم. فلذلك نمنع منها ولو لم ينو المسلم إثارتهم لذلك.
الوجه الرابع: ألا يقصد فاعل الوسيلة ولا غيره التذرع بها، ولكنها قابلة من نفسها الإفضاء، فنقدر كذلك الإفضاء بالفعل لنمنع منها كمن يحفر للسقي في طريق المسلمين أو يلقي السم لغرض مباح كإبادة الحشرات في الخضر أو الفواكه والبر والشعير، فغرض الأول منها السقي وغرض الثاني المباح الذي يعينه على إبادة الحشرات وكلاهما جائز لصاحبه فعله، ولكنه منع بتقدير الإفضاء إلى موت الإبرياء بالتردي والتسمم، ولولا هذا التقدير لبقي الحكم في الوسيلة على الجواز.
الأمر الثاني: يلاحظ في الركن الثاني وهو الإفضاء ضرورة بلوغه حدًا معينًا من القوة ليثبت بناء على ذلك المنع، والقوة إنما تكون بالكثرة العددية أو بخطورة المحظور الذي تفضي إليه (١) .
(١) سد الذريعة محمد هشام البرهاني ص ١٢١