وهي الأساس الذي تقوم عليه الذريعة لأن وجودها يستتبع بالضرورة وجود الركنين التاليين وهما: الإفضاء، والمتوسل إليه:
والوسيلة يمكن أن نلاحظ فيها الملاحظات الآتية:
أولًا: الوسيلة قد تكون غير مقصودة لذاتها وذلك حين يتجه الفاعل إلى الفعل من غير أن يقصد المتوسل إليه، كمن يسب آهلة المشركين غيرة لله وانتصار للحق سبحانه وإغاظة للكفار، من غير نية إثارتهم ودفعهم لسب الله تعالى، فيسبون الله تعالى عدوًا بغير علم، ومع أن المسلم لا يظن به ذلك فقد منع؛ لأن المعهود فيمن عميت قلوبهم أن يغاروا على ما يظنونه آلهة.
كما نهى الله سبحانه وتعالى أن يقولوا للرسول: راعنًا، يريدون المراعاة والانتظار؛ لأن اليهود كانوا يتخذون مخاطبة المسلمين بها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذريعة إلى الهزؤ، ويقصدون من وراء ذلك الرعونة، فعد استعمال المسلمين لها وسيلة إلى فعل خبيث لليهود، ولو كان غرضهم مجرد المخاطبة.
ثانيًا: قد تكون الوسيلة مقصودة لغيرها، أي أنها وسيلة لمقصود، كبيع شيء بمائة إلى أجل ثم يشتريه بثمانين حالة، فقد آل أمره إلى أنه أقرض ثمانين في الحال ليأخذ عند الأجل بدلها مائة؛ لأنه لما عاد الشيء نفسه إليه اعتبر كأن لم يكن موجودًا بيعًا ولا شراء، ولم يجر عليه عقد بالمرة، مع أنه بقيت صورته بينه، فكان عقدًا جر نفعا، وهو عين الربا المحرم، وقد حالت حرمته دون الدخول عليه ابتداء، فكانت صورته صورة عقد البيع ثم الشراء وسيلة مشروعة الظاهر وهي باطلة في الواقع (١) .
ثالثا: إنها الأساس الأول الذي تقوم عليه الذريعة؛ لأن وجوده يستتبع وجود الركنين الآخرين، فمجرد وجوده بالفعل تنتظم معه الأركان وجودًا بالفعل أو تقديرًا.
فلو ضربت المرأة ذات الخلاخيل وقصدت تحصيل الافتتان ثم حصل الافتتان بالفعل فقد توافرت الأركان الثلاثة، ولو ضربت مع قصد إثارة الافتتان ولم يحصل الافتتان أو ضربت من غير قد وحصل الافتتان أو ضربت من غير قصد ولم يحصل الافتتان فإنها تمنع من ذلك في الوجوه الثلاثة الأولى.
ويقدر حصول الافتتان في الأول والقصد في الثاني والقصد مع الافتتان في الثالث، أما لو قصد الافتتان من غير ضرب بالأرجل وبقي ذلك في داخل نفسها فلا ذريعة، وإذا وجد الافتتان ولم يوجد سبب آخر غير الضرب بالأرجل يؤدي إليه، فذلك دليل على أنه إنما حصل بسبب الضرب، ولهذا فإن الركن الأول يعد الأساس.