للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذهب الحنفية:

وأما الحنفية، فإن الدارس لأصولهم وقواعدهم، يجدهم لا يعدون هذا الأصل من أصولهم، ولكن إن صح عنهم جواز إعمال (الحيل) لم يكن من أصلهم في (بيوع الآجال) ، إلا الجواز، ولا يلزم من ذلك تركهم لأصل (سد الذرائع) إلا أنه نقل عن أبي حنيفة موافقته مالكًا في سد الذرائع فيها، وإن خالفه في بعض التفاصيل (١) .

ثم إنهم راعوا سد الذرائع، وعملوا بها في كثير من الفروع الفقهية عندهم. وإذا كان هذا هكذا، فمن دينهم ندينهم، ذلك لأن الذي يقر صحة الفروع، يلزمه التسليم بصحة أصولها.

بيد أن أكثر ما يدهش في موقف الحنفية، هو: أنه قليلًا ما يتفق مع نظريتهم العامة الكثيرة الاعتماد على الرأي والعقل. فنحن نعلم كيف كانوا في مواجهة النصوص الشرعية، يمتازون بثاقب الفكر، محاولين دائمًا، أن يدركوا علتها، ومستعملين غالبًا التعليل بالقياس، وربما أفرطوا في استعماله، ولكنهم ـ وا اسفا، حين يتعرضون لتفسير عقد، أو نذر، وبصفة عامة كل ما يقتضي جزءا، أو كفارة، فإنهم يمسكون عن كل تفسير، ويقبلون الوسائل الملتوية، بشرط واحد فقط، وهو: ألا تتعارض هذه الوسائل مع النص الجامد للقاعدة المقررة (٢) .

ومن هنا فهم الحدة والقسوة، عند (ابن حزم) حين ذهب إلى حد اتهامهم بأنهم طريقتهم هذه يشجعون على الرذيلة، ويعلمون المجرمين كيف يرتكبون كل ما يريدون، من السرقة، وهتك العرض، وقتل النفس، وهم آمنون من إقامة الحد عليهم، حتى ولو أنهم أخذوا في حالة التلبس.

الواقع أن (ابن حزم) في حدة اعتراضاته، لم يصل إلى حد اتهام الحنفية في تسويغ الحيل، تعمدًا وتعديًا على الشرع، وإنما كل ما يأخذ عليهم هو أنهم، يفوتون بعض الوقائع الإجرامية، بحجة عدم وجود بعض شروط العقوبة، وربما كانت هذه نقطة ضعفهم.


(١) الموافقات للشاطبي (ج٣ ص ٣٠٥) والهداية (باب البيع الفاسد) ، وشرح فتح القدير لابن الهمام (ج٥ س ٢٠٧) المطبعة الأميرية بالقاهرة
(٢) راجع المحلي لابن حزم (١١/ ٣٠٢

<<  <  ج: ص:  >  >>