للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الخامس

في الكلام على موقف المذاهب الفقهية

من قاعدة الذرائع عمومًا، والمذهب المالكي خصوصاً

إن نظرة سريعة نلقيها على عنوان هذا الفصل، والفصل الذي تقدمه، كافية لنلحظ فيها تماثلًا واضحًا بين الفصلين، فهذا الفصل في حقيقته ومضمونه، ومبناه ومعناه، لا يخرج عن الفصل السابق، وإنما أفرد عنه، وجعل مستقلًا بنفسه، لتفصيل ما أجمل هناك، وتحقيق ما أغفل، ثم لأمر آخر، وهو: معرفة ما إذا كان المذهب المالكي قد اختص بسد الذرائع وحده، وانفرد بها دون غيره، من بين المذاهب الفقهية الأخرى، أم شاركه في الأخذ بها واعتبارها، سائر المذاهب الفقهية المعنية؟!

وينبغي للإجابة عن هذا السؤال، أن نشمر عن ساعد الجد، لعرض موقف المذاهب بإيجاز، باستثناء مذهب الشافعي، فنعني في عرضه بشيء من البسط، توضيحًا لموقفه الحقيقي، وواقع أمره.

مذهب المالكية ـ والحنابلة:

أما المالكية، فلسنا في حاجة إلى إجهاد أنفسنا في البحث كثيرًا من أجل الوقوف على موقفهم من هذه القاعدة، فموقفهم معروف ومكشوف وقد كفانا إياه الإمام الشاطبي، بقوله: " إن قاعدة سد الذرائع، حكّمها مالك في أكثر أبواب الفقه" (١) . فهذه بينة كافية لتأكيد أن هذه القاعدة، قد أخذت حظها من المكانة والوجاهة عند المالكية.

أما الحنابلة قد أغنانا عن موقفهم من هذه القاعدة الأصولية، شيخ الإسلام " ابن تيمية " وتلميذه " ابن القيم " بل قد بلغت الحماسة بهذا الأخير مداها، مثل لها في إعلام الموقعين (٢) ، بتسعة وتسعين مثالًا للدلالة عليها وتأييد العمل بها، وقال: (إن سد الذرائع المفضية إلى الحرام، ربع الدين) .

ونقل القرطبي في تفسيره، رواية عن الإمام أحمد، أنه يقول بها. فالحنبلية نحوًا منحى المالكية، في اعتبار سد الذرائع أصلًا يعتمد عليه، في تقرير الأحكام الشرعية.


(١) الموافقات (ج٤ ص ١٩٥)
(٢) (ج٣ ص١١٩ وما بعدها)

<<  <  ج: ص:  >  >>