للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنع شهادة الآباء للأبناء وبالعكس فهذه وجوه كثيرة، يستدلون بها وهي لا تفيد فإنها تدل على اعتبار الشرع سد الذرائع في الجملة، وهذا مجمع عليه.

وإنما النزاع في ذرائع خاصة، وهي بيوع الآجال ونحوها، فينبغي أن نذكر أدلة خاصة، لمحل النزاع، وإلا فهذه لا تفيد.

وإن قصدوا (يعني المالكية) القياس على الذرائع المجمع عليها، فينبغي أن يكون حجتهم القياس خاصة، ويتعين حينئذ عليهم إبداء الجامع (يعني بين الأصل والفرع) ، حتى يتعرض الخصم لدفعه بالفارق (أي حتى يتمكن الشافعية من إبطاله) ، والمالكية لا يعتقدون أن دليلهم هو القياس وحده، بل يصرحون بأن مدركهم (أي: دليلهم) هو النصوص التي قضت بسد الذرائع جملة، وليس ذلك بصحيح، بل على المالكية أن يذكروا، نصوصًا أخرى خاصة بذرائع بيع الآجال ويقتصرون عليها (١) .

ويعترض الإمام الشاطبي ـ وهو من شيعة الإمام القرافي، ومن أهل مذهبه ـ قائلًا: إن إشكال القرافي، غير وارد ذلك لأن العام الاستقرائي يقوم مقام العام المستفاد من الصيغة، ولأن الذرائع قد ثبت سدها في خصوصيات كثيرة بحيث أعطت في الشريعة، معنى السد مطلقًا عامًا، وخلاف الشافعي هنا غير قادح، ولا خلاف أبي حنيفة.

أما الشافعي: فالظن به أنه تم له الاستقراء في سد الذرائع على العموم، ويدل لذلك قوله بترك الأضحية، إعلامًا بعدم وجوبها، وليس في ذلك دليل صريح من كتاب أو سنة، لكن عارضة في مسألة (بيوع الآجال) دليل آخر رجح على غيره فأعمله، فترك سد الذريعة من أجله، وإذا تركه لعارض راجح، لم يعد مخالفًا.

وأما أبو حنيفة: فإنه ثبت عنه جواز إعمال الحيل، لم يكن من أصله في بيوع الآجال، إلا الجواز، ولا يلزم من ذلك تركه لأصل سد الذرائع، وهذا واضح، إلا أنه نقل عنه موافقة مالك في سد الذرائع فيها (يعني بيوع الآجال) وإن خالفه في بعض التفاصيل، وإذا كان ذلك كذلك، فلا إشكال (٢) .

وبهذه البينات من أبي إسحاق الشاطبي، نختتم هذا الفصل، سائلين الله تعالى، التوفيق لأقوم طريق.


(١) الفروق للقرافي (ج٣ ص ٢٢٦) . وقد تصرفت بعض التصرف في عبارته، بغية الإيضاح.
(٢) الموافقات (٣/ ٣٠٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>