للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد فهم كثير من الفقهاء هذه المعاني، وتلقوها بقبول حسن، وطبقوها في كثير من الفروع الفقهية، ما بين مكثر في الأخذ بها، وبين مقل ومتوسط، ولكن الفقيه الشافعي الكبير (ابن السبكي) صاحب كتاب جمع الجوامع في الأصول، قد رفض الأخذ بها بشدة، واستهواه المضي في المراء، وجذب معه بعض الفقهاء إلى بعيد، وراح يقول: (الذرائع: هي الوسائل، وهي مضطربة اضطرابًا شديدًا، فلا يمكن دعوى كلية باعتبارها، ولا بإلغائها " (١) .

فقيل له: إن إمامك الشافعي وقدوتك، قد قال في (إحياء الموات من كتابه الأم) بعد أن ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ومن منع فضل الماء، ليمنع به الكلأ، منعه الله فضل رحمته)) .

قال الشافعي: (فإذا كان هذا هكذا، ففي هذا ما يثبت، أن الذرائع في الحلال والحرام، تشبه معاني الحلال والحرام) (قال ابن السبكي) : هذا كلام الشافعي. وقد تأملته فلم أجد فيه متعلقًا قويًا، لإثبات قول سد الذرائع" (٢) .

ولعمري! من ذا الذي لا يرى في كلام الإمام (ابن السبكي) ، سفسطة ومخرقة ومكابرة!!؟ واستمع لما يقوله الإمام القرافي، الذي ولد في بحبوحة (سد الذرائع) منذ كان في المهد صبيًا.

" يحكى عن المذهب المالكي، اختصاصه بسد الذرائع، وليس كذلك، بل منها ما أجمع الناس على سده، ومنها ما أجمعوا على عدم سده، وإنما النزاع في ذرائع خاصة، وهي (بيوع الآجال) ونحوها".

يعني: من كل مباح يتذرع به إلى مفسدة ثم أورد إشكالًا، فقال: " وحينئذ يظهر عدم فائدة استدلال الأصحاب (يعني المالكية) ، على الشافعية، في سد الذرائع بقوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنعام: ١٠٨] . وبقوله سبحانه: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} [البقرة: ٦٥] .

وبقوله عليه الصلاة والسلام: ((لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها)) . الحديث. وبإجماع الأمة على جواز البيع والسلف مفترقين وتحريمهما مجتمعين، لذريعة الربا.


(١) تكملة المجموع (ج١٠ ص ١٥٨ وما بعدها) من الطبعة المنيرية بالقاهرة.
(٢) تكملة المجموع (ج١٠ ص ١٥٨ وما بعدها) من الطبعة المنيرية بالقاهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>