للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الأحكام، وإن كان كل واحد منها، متعلقًا بنازلة (أي: واقعة، أو حادثة) خاصة، فقد بلغت من الكثرة، ما يدل على قصد الشارع، إلى (سد الذرائع) الفساد.

فتكون هذه الأحكام الكثيرة، بمنزلة قول عام يرد في القرآن، أو السنة، مصرحًا ببناء الأحكام على سد الذرائع.

وفي هذا المعنى يقول الشاطبي (١) :

" والعموم إذا ثبت، فلا يلزم أن يثبت من جهة صيغ العموم فقط، بل له طريقان:

(أحدهما) : الصيغ إذا وردت، وهو المشهور في كلام أهل الأصول.

(والآخر) : استقراء مواقع المعنى، حتى يحصل منه في الذهن، أمر كلي عام، فيجري في الحكم مجرى العموم، المستفاد من الصيغ".

ويردف قائلًا:

" إن قاعدة الذرائع، إنما عمل السلف بها، بناء على هذا المعنى، كعملهم في ترك الأضحية مع القدرة عليها، وكإتمام عثمان الصلاة في حجة بالناس، وتسليم الصحابة له في عذره الذي اعتذر به، من (سد الذريعة) .

وقد سلك الإمام (ابن قيم الجوزية) ـ الذي يعتبر بحق حاملًا لواء الدعوة إلى سد الذرائع، ومنع الحيل ـ في الاستدلال على قاعدة سد الذرائع الطريق نفسه، الذي سلكه الشاطبي، فقررـ بعد أن حررـ: أن قاعدة سد الذرائع من القواعد القطعية في الدين، وأن الشارع اعتبرها في التشريع، وسار عليها في تفريع الأحكام، وعرفت ملاءمتها، لجنس تصرفات الشارع، لا من دليل واحد، ولا من نص معين، بل جملة نصوص، ومجموعة أدلة تفوق الحصر، وتفيد في مجموعها القطع، وذكر تسعة وتسعين دليلًا على صحة دعواه واستقرائه (٢) .

والذي نستخلصه من كلام هذين الإمامين الجليلين: أن قاعدة سد الذرائع، من القواعد القطعية، التي أجمع الأئمة على اعتبارها والعمل بها، في التشريع والتفريع. وإنما الخلاف بينهم ينحصر في تحقيق مناط هذه القاعدة.


(١) الموافقات (ج٣ ص ٢٩٨) ، و (ج٣ ص ٣٠٤*
(٢) انظر في هذه الأدلة والأوجه: إعلام الموقعين (ج٣ ص ١٤٩ ـ ١٧١)

<<  <  ج: ص:  >  >>