لا بد ـ قبل كل شيء ـ من تحرير هذا الموضع، قبل تقريره، ليزول الالتباس فيه. وإنه بوسعنا ـ بتأييد الله وتسديده ـ أن نقدم للقارئ مباشرة، جملة من الحقائق، لا تسبق فيها المقدمات نتائجها، ولا الأحكام مسبباتها. فنقول:
إن من تبصر في مذاهب الأئمة الفقهاء، يجد أنهم لم يختلفوا في أن (سد الذرائع) ، من أصول الشريعة وقواعدها، وإنما نجدهم قد اختلفوا في بعض الفروع، فيذهب بها بعضهم نحو (سد الذرائع) ويرجع بها بعضهم الآخر، إلى أصل غير هذا الأصل.
ولدينا في هذا المقام، كلام أقطع من الحسام، يقدمه لنا الإمام أبو إسحاق الشاطبي، قائلًا:" إن سد الذرائع أصل شرعي قطعي. متفق عليه في الجملة، وإن اختلف العلماء في تفصيله، وقد عمل به السلف، بناء على ما تكرر من التواتر المعنوي، في نوازل متعددة دلت على عموميات معنوية، وإن كانت النوازل خاصة، ولكنها كثيرة"(١) .
ولقد استطاع الشاطبي، في تحليله العميق، لهذه القاعدة، أن يكشف لنا عن قاعدة سد الذرائع، وأنها مشروعة مطلوبة، وأن السلف جروا في تفصيل بعض الأحكام، على أصل سد الذرائع.
ومستندهم في تحقيق هذا الأصل، ما ورد في الكتاب والسنة، من الأحكام العائدة إلى هذا الأصل.