للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شروط الذرائع:

قد علمنا مما سبق: أن وسيلة المحرم محرمة، وأن ما يؤدي إلى المفسدة ممنوع غير مشروع، ووضح لنا وضوحًا تامًا، أن قاعدة الذرائع، تعمل عملها، إذا كان الفعل الجائز المشتمل على مصلحة، يؤدي غالبًا إلى مفسدة، تساوي مصلحة هذا الفعل، أو تزيد. ويمكن القول إجمالًا: بأن الفقهاء قد قيدوا تطبيق هذه القاعدة بثلاثة قيود، أو ثلاثة شروط:

الأول: أن يؤدي الفعل المأذون إلى مفسدة.

الثاني: أن تكون تلك المفسدة راجحة على مصلحة الفعل المأذون فيه.

الثالث: أن يكون أداء الفعل المأذون فيه إلى المفسدة كثيرًا.

وهذا بيانها:

الشرط الأول: إن الفعل المأذون فيه، فعل يتضمن مصلحة، ومن هنا، لا يجوز المنع من هذا الفعل، طالما أن هذا الفعل يحقق تلك المصلحة، ولا يؤدي إلى مفسدة، تقطع هذه المصلحة. أما إذا كان هذا الفعل ذريعة إلى المفسدة، فإن الشرع يمنع منه، وذلك لتعارض مصلحة الفعل مع المفسدة التي يؤول إليها.

وإذا تعارضت المصلحة والمفسدة، قدم درء المفسدة، على جلب المصلحة. تطبيقًا لقاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وفي هذا يقول الشاطبي: " لا مصلحة تتوقع مطلقًا. مع إمكان وقوع مفسدة توازيها أو تزيد عليها" (١) .

وهذا الشرط يبدو واضحًا من تعريف الذريعة الممنوعة: بأنها " التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة ". أو: " الذريعة بفعل جائز على عمل غير جائز ". أو: " المنع من الجائز لئلا يتوصل به إلى الممنوع" (٢) . هذا هو الشرط الأول للذريعة.

الشرط الثاني: أن تكون المفسدة المتذرع إليها، بالفعل المشروع، مساوية، أو: راجحة على مصلحة ذلك الفعل. (يوضحه) : أن الفعل المشروع إذا كان يحصل مصلحة، ولكنه ذريعة إلى ما فيه مفسدة، فإن هذا الفعل ممنوع، وتلك الذريعة تسد إذا كانت المفسدة التي يتذرع بالفعل المشروع إليها، موازية لمصلحة الفعل وتزيد عليها.

وأما إذا أربت مصلحة الفعل المشروع على مفسدته، فإن الفعل لا يمنع، والذريعة لا تسد. وفي هذا يقول القرافي: " وقد تكون وسيلة المحرم غير محرمة، إذا أفضت إلى مصلحة راجحة، كالتوسل إلى فداء الأسرى بدفع المال للكفار الذي هو محرم عليهم الانتفاع به، وكدفع مال لرجل يأكله حرامًا، حتى لا يزني بامرأة مسلمة، إذا عجز عن دفعه عنها إلا بذلك (٣) .

الشرط الثالث: أن يكون أداء الفعل المأذون فيه إلى المفسدة كثيرًا. فقاعدة الذرائع: لا تعني أن كل ذريعة إلى ممنوعة. بل إن في المسألة تفصيلًا، فالذرائع على أقسام كما عرفت. (منها) ما أجمعت الأمة والأئمة على سده، (ومنها) ما أجمعوا على إلغائه وعدم سده، و (منها) ما اختلفوا فيه.

وقد أفضت القول فيه فيما مضى، فلا أعيده، تجنبًا للتكرار، وفي هذا القدر كفاية والإشارة تغني عن العبارة، والسلام.


(١) الموافقات (ج٤ ص١٩٦
(٢) الموافقات (ج٣ ص ٢٦٧ و (ج ٤ ص ١٩٨ ـ ١٩٩)
(٣) الفروق للقرافي (ج٣ ص ٣٣) راجع الموافقات ٢/ ٣٥٢ فقد ضرب على ذلك أمثلة

<<  <  ج: ص:  >  >>