للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم الذريعة:

كان الكلام في فاتحة هذا الفصل، مخصصًا لأقسام الذرائع. وقد لاحظنا أن المتحمسين من الفقهاء لهذه القاعدة، لا يتبعون دائمًا خطًا متوازيًا، فعلى حين يذكر أحدهم أنها ثلاثة أقسام كالقرافي، يعدها الآخر أربعة كابن قيم الجوزية.

وقد قمنا بتشريح الأقسام التي ذكرها هذا الأخير، وأخرجنا منها قسمًا، ليس منها في شيء، وقد استدعى هذا التعديل، انهيارًا جزئيًا، في صرح تقسيم هذا الإمام العظيم.

وعلينا الآن أن نستنبط من مجموع هذه الأقسام، حكم الذريعة، فنقول:

إن الذريعة تعطي حكم الشيء للتوصل بها إليه، وحكم الذريعة: هو حكم المقصود، فإن كان المقصود الذي تفضي إليه الذريعة فرضًا. كالحج المقصود من السعي إلى البيت الحرام، في مكة المكرمة، كانت الذريعة مثله في الفرضية، فيكون السعي فرضًا. وإن كان المقصود، الذي تفضي إليه الذريعة حرامًا، كالزنى، كانت الذريعة، وهي النظر إلى النساء حرامًا، وبهذا تكون الوسيلة إلى المحرم محرمة، والوسيلة إلى الواجب واجبة، وهذا ما نجده في التكاليف الشرعية، التي كلفنا الله بها. فإنه يعطي الوسيلة حكم الغاية، فإذا نهى الله تعالى عن شيء وحرمه، كان مقتضاه: النهي عن كل ما يتوصل به إلى ذلك المنهي عنه، وإذا أمر بشيء فمعناه، أنه أمر بكل ما يوصل إليه.

فمثلًا نهى الله تعالى عن شرب الخمر، لأنها توصل إلى العداوة والبغضاء، وتصد عن ذكر الله فقال عز وجل: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) } [المائدة: ٩٠: ٩١] .

<<  <  ج: ص:  >  >>