ونستنتج من هذا، أن موارد الأحكام على نوعين: مقاصد، ووسائل.
فالمقاصد: هي الغايات التي تشتمل على المفاسد والمصالح.
والوسائل: هي الأمور الموصلة إلى المقاصد وتفضي إليها.
كما نستخرج: أن حكم المقاصد والوسائل متحد؛ لأن الوسيلة (وهي: الذريعة) تابعة لما تفضي إليه، فإن أفضت إلى تحريم كانت محرمة، وإن أفضت إلى تحليل كانت محللة، غير أنها أخف رتبة من المقاصد في حكمها.
ثم إن ههنا نقطة مهمة، وهي: أن الوسيلة إلى الشيء المحرم، قد تكون غير محرمة، إذا أفضت إلى مصلحة راجحة.
وبعبارة أوضح: إن الشريعة تأتي إلى الشيء يكون له وجه من الضرر، فتأمر به حيث يكون ذريعة إلى ما فيه مصلحة أكبر من ذلك الضرر، ومن هذا القبيل:
١- بذل الماء لفداء الأسرى المسلمين:
فالمال المبذول للأعداء يزيدهم قوة، وحرام على المسلمين، أن يمدوا عدوهم ولو بمثقال ذرة من ذهب أو فضة. ولكن هذا البذل ذريعة إلى مصلحة يصغر في جانبها ضرر بذل المال للأعداء، وهذه المصلحة هي إنقاذ الأسرى المسلمين من أيد تسومهم سوء العذاب.
٢- دفع مال لرجل يأكله حرامًا، حتى لا يزني بامرأة مسلمة.
فهذا الفعل يعد ذريعة إلى مفسدة، وهي: أكل مال المسلم بالباطل، إذ لا يستحق أحد أجرًا على ترك الفسوق والفجور، ولكن هذا الفعل أجيز لما يؤدي إليه من المصلحة الراجحة، وهي حفظ عرض المسلمة ومنع وقوع الفاحشة، ومصلحة حفظ الأعراض أهم في نظر الشارع، من مفسدة دفع المال إلى أن يأكله باطلًا.
٣- دفع المال للمحارب، حتى لا يقع القتل بينه وبين صاحب المال:
فهذا أيضًا ذريعة إلى مفسدة أكل المال بالباطل، ولكنه لم يمنع منه، نظرًا لأن هذا الدفع، يترتب عليه مصلحة أكبر، وهي: منع القتل.