(وثالثها) : ما يتردد بين أن يكون ذريعة إلى مفسدة، وبين أن لا يكون وهذا ما اختلف فيه العلماء، فمنهم من قال بالمنع من هذا القسم، نظرًا إلى ما قد يفضي إليه من المفسدة، ومنهم من ذهب إلى الإغماض عنه، وعدم عده في الذرائع التي يجب سدها (كبيوع الآجال) : وذلك مثل أن يبيع البائع سلعة بعشرة دراهم إلى أجل، ثم يشتريها من المشتري بخمسة نقداً (١) .
فالإمام مالك يقول بمنعها؛ لأن البائع خرج منه خمسة دراهم، وأخذ عند حلول الأجل عشرة، والسلعة قد جعلت ذريعة إلى الربا. والإمام الشافعي كان يجري العقود على ظاهرها، ولا ينظر إلى قصد العاقد ونيته، وكان يقول: حمل المسلمين على التهم لا يجوز. (وهذا القسم مختلف فيه) ، هو الذي بحث فيه المجتهدون.
وهكذا يقرر الإمام القرافي القول في هذه (القاعدة) ، ويعيده قائلًا:(ليس سد الذرائع من خواص مذهب مالك، بل منها ما أجمع عليه، وإنما الخلاف والنزاع في ذرائع خاصة فرعية، كالصور المعروفة في (بيوع الآجال) ونحوها. أي: من كل مباح أفضى إلى مفسدة غالبًا، وهذه النتيجة التي وصل إليها (القرافي) ، تلقاها كثير من الباحثين بحماسة شديدة، وقبول حسن.
(١) الفروق (ج٢ ص٣٢) ، وانظر تقسيم الإمام الشاطبي للذرائع في كتاب (الموافقات ٢/ ٣٥٧) .