للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النتيجة:

يتضح من كل ما تقدم: أن الفرق بين (الذريعة) ، و (الحيلة) ، هو: القصد: وعدم القصد. فالمنظور إليه في (الذريعة) ليس هو النية السيئة من الفاعل، بل هو مجرد إفضاء الفعل إلى النتيجة التي لا يقرها الشرع، ولو كان الفاعل حسن النية، وبعبارة أوجز: إن الذريعة لا يلزم فيها أن تكون مقصودة.

وأما (الحيلة: فلابد فيها من القصد. هذه واحدة. (والثانية) : يفهم من التعريفات السابقة، لكل منهما، ولا سيما تعريف الشاطبي: أن الذريعة شاملة للحيلة، وأن الحيلة تندرج تحت الذريعة.

فالنسبة بينهما، هي من قبيل العموم والخصوص، فالذريعة أعم من الحيلة، والحيلة أخص، ومن المقرر في علم المنطق: أن الأخص يسلتزم دائمًا معنى الأعم، ولا عكس. وعليه، فكل حيلة ذريعة، وليست كل ذريعة حيلة، وهذا ما يطلقون عليه، العموم والخصوص المطلق بين الشئين.

هذا، وقد ذكر الشيخ العلامة محمد الطاهر بن عاشور من الفروق بينهما: أن الحيلة يراد منها أعمال يأتيها بعض الناس في خاصة أحواله، للتخلص من حق شرعي عليه بصورة هي معتبرة شرعًا، حتى يظن أنه جار على حكم الشرع.

وأما الذريعة فهي ما يفضي إلى فساد، سواء أقصد الناس به إفضاءه، أم لم يقصدوا، وذلك في الأحوال العامة، فحصل الفرق بين الذرائع والحيل، من جهتين: جهة العموم والخصوص، وجهة القصد وعدمه، ثم أضاف قائلًا: إن الحيل لا تكون إلا مبطلة لمقصد شرعي، والذرائع قد تكون مبطلة لقصد الشارع، من الصلاح وقد لا تكون مبطلة (١) . وذكر الشيخ الجليل العلامة عبد الله دراز في تعليقه على كتاب الموافقات (ج٤ ص ١٩٩) : أن هناك فرقًا آخر بينهما، وهو: أن الحيلة تجري في العقود، والذريعة أعم.

وأختم هذا الفصل، بكلمة ذهبية للفقيه الحنبلي الجليل، الإمام (ابن قيم الجوزية) ، فقد قال ـ وهو يذكر الاختلاف الصارخ بين الحيل، وسد الذرائع ـ: ( ... وتجويز الحيل: يناقض سد الذرائع مناقضة ظاهرة، فإن الشارع يسد الطريق إلى المفسدة بكل ممكن، والمحتال يفتح الطريق إليها بحيلة، فأين من يمنع من الجائز، خشية الوقوع في المحرم، ممن يعمل الحيلة في التوصل إلى المحرم) (٢) . وكأني بابن القيم (رحمه الله) ، كان يوشك أن يقول: إن الجمع بينهما كالجمع بين الحركة والسكون أو بين الضب والنون. وأن بين الكلمتين من البعد، مسيرة شهر للراكب المغذ.


(١) مقاصد الشريعة الإسلامية (صفحة/ ١١٦) ، نشر الشركة التونسية للتوزيع.
(٢) إعلام الموقعين عن رب العالمين (ج٣ ص١٧١) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد

<<  <  ج: ص:  >  >>