للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينبغي أن نوغل في التاريخ، إلى العصر اليهودي، لنجد حالات نموذجية من هذه الحيل الملتوية، التي تذهب في سبيل ضمان انتظام السلوك، إلى أن تبدأ بتحريف القاعدة ذاتها وتشويهها، وطيها بطريقة أو بأخرى، حسب الأهواء والشهوات، وقد أشار القرآن الكريم، إلى بعض هذه الألاعيب التي حاول بنو إسرائيل، أن يعثروا عليها، حتى يستبيحوا الصيد يوم السبت، فحفروا حياضًا تصلها قنوات بالبحر، حتى تدخلها الحيتان يوم السبت، ثم يحبسونها حتى يصيدوها في الأيام الجائز فيها الاصطياد، وهو قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا} (شارعة ظاهرة على وجه الماء من كل ناحية، كشوارع الطرق، دانية من الساحل، جمع شارع، من شرع عليه: إذا دنا وأشرف) .

{وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: ١٦٣] وقد كان عقابهم بالمسخ، والتحليل واضح في فعلهم.

ويروي لنا الحديث النبوي، قصة حيلة أخرى، هي قصة الشحم، الذي كان محرمًا عليهم.، فامتنعوا عنه قاعدة، وباعوه تجارة. (قال عطاء) : سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قاتل الله اليهود، لما حرم الله عليهم شحومها، جملوه ثم باعوه، فأكلوه)) (١) .

وقد لعن الله اليهود بسبب فعلهم هذا وهم إنما فعلوا ذلك بقصد الحصول على المال، الذي ضرب بهم المثل في حبهم له.

قال فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة (أبو حيان التوحيدي) ، في رجل لطيف الحس، هو: أعشق للجمال من اليهودي للمال) ومنه قول حافظ إبراهيم، يصف غادة اليابان:

كنت أهوى في زماني غادة

وهب الله لها ما وهبا

ذات وجه مزج الحسن به

صفرة تنسي اليهود الذهب

ولنا أن نستنتج من ذلك، أنه عندما يحرم الله شيئًا، فإنه يحرم في الوقت نفسه، تملك ثمنه ولذلك ذم الإسلام، كسب السحرة والكهنة، والفواجر، وأجر النائحة والمغنية، ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم، عن ثمن الكلب ومهر البغي، وحلوان الكاهن (٢) .

وهناك حالات كثيرة، تعاطاها الناس، على رغم الشرع، في المجتمعات الإسلامية، وهي مدونة ومدروسة في المؤلفات الفقهية، تبعًا لمختلف المذاهب.


(١) صحيح البخاري تفسير سورة الأنعام، باب/رقم٦/؛ والموافقات للشاطبي (٢/٢٧٨) .
(٢) صحيح البخاري ـ كتاب الإجارة (باب كسب البغي والإماء) .

<<  <  ج: ص:  >  >>