للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمثال التالي يرينا بشكل واضح، كيف أن النية الحسنة، مع العمل غير المشروع، لا تكفي وأنه ليس باستطاعتها أن تجعل من الشر خيرًا. وهاك مثالًا:

كلنا نعلم أن كثيرين من الناس، شديدو التأثر والحساسية تجاه مقدساتهم، لدرجة أن أية إساءة إلى آلهتهم الزائفة، التي يعبدونها قد تستدعي من جانبهم، أن يجدفوا في حق الله تعالى المعبود بحق.

ومن ثم نهي القرآن الكريم عن هذه الإثارة (أي: سب أصنامهم) فقال: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٠٨] .

ولكن لو أن مؤمنًا غيورًا دفعته حرارة إيمانه، إلى أن يعبر عن احتقاره للأصنام فيسبها، دون أن يفكر في ردود الفعل المحتملة، أفيكون معذورًا بنزاهة قصده، وحسن نيته، وانتصاره لربه؟! كلا ثم كلا.. إن الشر لا يمكن أن يصبح خيرًا بفضل كيمياء الإرادة، بل إن هذا الخلط والتلون يعتبر عند الإمام الغزالي، إثمًا آخر. قال: إن (قصده الخير بالشر، على خلاف مقتضى الشرع، بشر آخر، فإن عرفه فهو معاند للشرع، وإن جهله فهو عاص بجهله (فجهله مزدوج؛ لأن يجهل الشرع ويجهل أنه يجهله، وقد قيل: أشد من الجهل الجهل بالجهل) (إحياء علوم الدين: ج٤ ص ٢٥٧) طبع الحلبي بالقاهرة.

وموجز القول هو: أن الذريعة لا يلزم فيها أن تكون مقصودة. و (الحيلة) لا بد فيها من القصد. أما (الذريعة) فبصرك فيها حديد، وعهدك بها غير بعيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>