٥- والصورة الخامسة: وهي منع الحكومة التعامل بنقد، مع انعدامه مطلقًا.
وقد تحصل هذه الصورة، بأن يكون نقد قديم –بطل في بلده ولكنه بقي مستعملًا في بلد آخر. فيصدر البلد الآخر أمرًا يمنعه في التعامل.
وعند ذلك، يفقد هذا النقد كل ثمنية له، ويصبح القول ببطلان البيع، واستحقاق المبيع للبائع، لانعدام الثمن بالكلية، أمرًا معقولًا، ولكن حالات القرض، واستهلاك المبيع، أو زواله من يد المشتري، والمهر المؤجل مثلًا، لا يمكن فيها تطبيق ذلك. فلا مناص، إذن، من القول بالقيمة.
٦ - والصورة السادسة: وهي تشبه الصورة الرابعة؛ لأن النقد القديم لم ينعدم من التداول في الأسواق، فهي إذن أولى من الرابعة بالقول بالمثل في الحقوق والالتزامات الآجلة.
٧ - والصورة السابعة: وهي تغيير الحكومة لقيمة النقد، بالنسبة لعملة، أو عملات أجنبية، وهذا أمر كثيرًا ما تفعله الحكومات التي تتبنى سياسة تحديد سعر صرف لنقدها بنقد أجنبي واحد، أو أكثر وأكثر ما يحصل هو تخفيض لقيمة النقد الوطني، وقد يحصل أحيانًا رفع لهذه القيمة. ويهدف هذا الإجراء إلى تشجيع (أو تثبيط) التصدير ودخول رؤوس الأموال، وتثبيط (أو تشجيع) الاستيراد وخروج رؤوس الأموال. وهو يؤثر على المستوى العام للأسعار في البلد من خلال المكونات الخارجية للمستوى العام للأسعار. ولا يرتفع المستوى العام للأسعار –عادة- إلا بمقدار جزء فقط، كبير أو صغير، من التخفيض في سعر صرف النقد الوطني.
وهذه الصورة تحتاج إلى دقيق نظر؛ لأنها تغيير في القوة الشرائية ناشئ عن ممارسة سلطة نقدية، تتيحها النقود المعاصرة للحكومة، وقد تحدث ابن عابدين عن إرهاصاتها الأولى بتمييزه بين تغيير الحاكم لسعر نقد واحد من عدة نقود، وبين تساوي الرخص لجميع النقود المستعملة. (١) ولا شك أن تساوي الرخص، لجميع النقود، بالأمر السلطاني، يشبه تخفيض سعر صرف النقد الوطني بالنسبة للنقود الأجنبية، ولكن يختفي هنا "قصد الإضرار" عند دفع المدين بالنقد الذي رخص صرفه، وهو ما ذكره ابن عابدين كمبرر للصلح بينهما؛ لأنه لا اختبار للمدين لنوع نقد الوفاء.
٨ - والصورة الثامنة: وهي عزوف الناس عن التعامل بالنقد، وهو موجود في الأسواق. ويحصل ذلك في حالات التضخم المرتفع، ولا شك أنه لا توجد نقطة محددة يمكن عندها القول بأن الناس يتركون كلية التعامل بالنقد الذي هبطت قوته الشرائية؛ لأن طبيعة ذلك أن يكون تدريجيًّا، وأن يتفاوت مع إحساس الناس بالتضخم، وتوفر المعلومات لديهم.