ب- إن الالتزامات الناشئة قبل المنع، لم يكن مقصودًا بها عين النقد القديم، وهي إنما حصلت به؛ لأنه كان النقد الجاري بين الناس، والتبديل الذي فرضته الحكومة، بسعر حددته، لم يكن يقصد إلى تغيير قيم الالتزامات والمعاملات بين الناس، فهو أشبه بتغيير النقد في الصورة الثانية، وبخاصة أن أي تغير حصل في سعر الصرف بين النقدين بعد فترة التبديل، التي فرضتها الحكومة، يمكن أن يكون في أي اتجاه، أي أنه لم يكن من مقاصد المعاملة أن يحمي طرف نفسه من مخاطر تغير سعر النقد، كل ذلك يرجح أن سعر التعادل الذي فرضته الحكومة هو الذي ينطبق على جميع الحقوق والالتزامات القائمة عند التبديل.
ج- إن تقييد الحاكم لحرية تصرف المالك بملكه دون وجه مصلحة عامة واضحة بينة أمر لا تقره أصول الشريعة وأحكامها، وإن تعسف الحاكم بتقييد حريات الناس يبقى على قدر ضئيل جدًّا من المبررات العقلية والشرعية لطاعته، وبالتالي، فهل يلزم معرفة وجه مصلحة الأمة في تصرف ولي الأمر، أم أن المصلحة مفترضة حكمًا في هذا التصرف؟ وبالتالي فهل تجب طاعته بعدم استخدام النقد الأجنبي، حتى في حالة عدم وضوح مصلحة الأمة في ذلك؟
د- يتحدث الفقهاء عن بطلان البيع إذا كان الثمن غير مقدور على تسليمه، وكذلك في القرض، فيشترطون فيه أن يكون في المثليات المقدور على الوفاء بها، فهل تدخل هذه الصورة تحت أي من هاتين الحالتين؟
هـ- هل تعتبر شريعتنا الغراء إصدار النقد من مسائل السيادة للدولة الإسلامية، بحيث لا يجوز لها السماح بالتعامل بنقود أجنبية، في بلاد الإسلام؟ أم أن القضية ت دور حسب المصلحة، فيتصرف ولي الأمر في إصدار النقد الوطني، أو عدمه، حسبما يرى مصلحة الأمة؟
٤ - والصورة الرابعة: من الحكومة التعامل بالنقد، مع وجوده في بلدان أخرى، وعند الصيارفة، وفي البيوت. ويحصل ذلك عند فرض نقود وطنية، بدل الأجنبية، في المعاملات داخل البلد، دون فرض رقابة على العملات الأجنبية، بما فيها النقد الذي كانت تجري به المعاملات قبل ذلك، بحيث يتوفر ذلك النقد عند الصيارفة.
وعلى الرغم من أن هذه هي صورة من صور الانقطاع التي تحدث عنها الأحناف، فإن تأثيرها على الحقوق والالتزامات غير ظاهر؛ لأن النقد القديم لم يبطل، ولم يفقد قيمته، وما زال موجودًا، كما أن تأثر قيمته بهذه التغيير قليل، إن لم يكن معدومًا، وبالتالي، فالذي يظهر هنا أنه لا وجه للقول بغير المثل في القروض، والبيوع، والديون، وسائر الالتزامات، والحقوق.