وقد يقال: إنما قامت الحكومة بهذا الاستبدال بسبب التضخم الشديد، الذي انهارت معه القيمة الشرائية للعملة القديمة إلى واحدة بالمائة مما كانت عليه. وهذا هو –في العادة- السبب الأهم لهذا النوع من تغيير النقود، ولكن يمكن الإجابة على ذلك، بأن التغيير نفسه لم يلحق أي هبوط في الورقة الشرائية؛ لأنه عند لحظة التغيير كان الهبوط قائمًا موجودًا، وعلى فرض أن سعر المبادلة بين العملتين الذي اختارته الحكومة يعكس ذلك التغير تمامًا، فإن تبديل العملة لا يعدو كونه إجراء لفظيًّا بحتًا لحظة إجرائه، بمعنى أنه، بنفسه، لم يحدث أي إنقاص في قيمة العملة، فكل ما كان عند التغيير مثمنًا بمائة فرنك قديم، صار ثمنه فرنكًا جديدًا واحدًا، فاستبدال العملة هذا لا يعدو في الواقع إلغاء فئة الفرنك القديم، وتغيير اسم المائة فرنك قديم إلى اسم جديد هو فرنك جديد، فلا يؤثر إذن على الالتزامات القديمة. فتتحول إلى العملة الجديدة بنفس النسبة، ولا يستطيع دائن بمائة فرنك قديم مطالبة مدينه بأكثر من فرنك واحد جديد.
٣ - والصورة الثالثة: منع التعامل بالنقد القديم، مع وجوده في بلدان أخرى، وعدمه عند الصيارفة، وقد حصل هذا في الجزائر مثلًا. فبعد الاستقلال أصدرت الحكومة الدينار الجزائري ومنعت التعامل بالفرنك الفرنسي الذي ما زال يتداول في فرنسا، ومنعت الدولة الصيارفة من عرضه للناس إلا بقيود وإجراءات مشددة، كما منعت الناس من حيازته في البيوت؛ لأن الجزائر تبنت –في ذلك الوقت- نظامًا متشددًا في إدارة العملات الأجنبية. وأعلنت الحكومة سعرًا رسميًّا للمعادلة بين الدينار والفرنك، وفترة معينة لتبديل العملة.
فأما الجزء من الكتلة النقدية، المتمثل في الحسابات الجارية الدائنة لدى المصارف، فقد تم تغييره –تلقائيًّا- إلى العملة الجديدة، وأما الالتزامات والديون الآجلة بين الناس، فإن المحاكم لا تحكم إلا بالعملة الجديدة.
إن هذا النوع من إبطال نقد، وإصدار نقد جديد، يطرح مسألتين هما:
١- هل تدفع الالتزامات التي انعقدت بالنقد القديم بنفس ذلك النقد، أم بالنقد الجديد، وبأي سعر صرف: وهل يلزم المدين ديانة بدفع النقد الذي منعت الحكومة التعامل به؟
٢- هل يجوز الدخول في عقود جديدة –بعد تغيير النقد-بالنقد الذي منعت الحكومة التعامل به؟ ولو دخل الناس بعقود جديدة بالنقد الأجنبي، فهل يجب السداد بالنقد الأجنبي ديانة، على الرغم من منع السلطان، وتعذره قضاء؟
وقد تساعد ملاحظة النقاط التالية في الإجابة على هذين السؤالين:
أ- جواز البيع بنقد والدفع بنقد آخر، بسعر يوم الدفع، شريطة أن لا يبقى مما صرف شيء في الذمة، وبالتالي، فهل يجوز العقد بالعملة الأجنبية (الممنوعة) ، ثم الدفع بالعملة الوطنية بسعر يومه؟