للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتراط الربط القياسي:

إذا كنت قد وصلت إلى أنه لا بد من حل جذري يقوم على أساس استقلالية المنهج الإسلامي نظريًّا تطبيقيًّا، فإن هذا الحل البعيد المنال لا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها، ولكن علينا أن ندعو إليه وأن نذكر به وأن نحييه في القلوب والعقول.

وأن سنن الله في الكون جرت على قاعدة التغير لا الثبات التي من مقتضياتها التطور من القوة إلى الفعل، ومن الكمون إلى الظهور ومن التبعية إلى الاستقلال.

وسؤال يقوم: هل نجد ما يلطف من شراسة هذا الوضع الاقتصادي الجائر ويقيم أوضاعه المختلفة في هذه الناحية؟ أعني الربط القياسي للالتزامات المؤجلة؟

الجواب عن هذا في نظري: إما أن يكون ربطًا آليًّا في جميع القضايا فقد لمسنا ما يترتب عليه من اضطراب، وإما أن يكون هذا الربط ربطًا بالشرط، بأن يشترط المتعاقدان في الالتزامات الآجلة بمقياس هو معيار ثابت أو أقرب إلى الثبات.

رأينا في طالعة البحث أن مالكًا يرى هذا الشرط شرطًا باطلًا لا يصح؛ وهذا لأنه أجرى الفلوس مجرى الذهب والفضة في باب التعامل اعتمادًا على القياس بعلة أن دورها في التعامل واحد، ورأينا بعض فقهاء المالكية يجيزون أن تعتبر القيمة للفلوس إذا ما تغيرت فإذا جاز عندهم الرجوع إلى القيمة بدون شرط فلأن يجوز بالشرط من باب أولى.

ولذا فإن الذي اطمأننت إليه أنه يجوز للمتعاقدين في الالتزامات الآجلة أن يضبطا قيمة الالتزام بمعيار هو المرجع عند الأداء، وبهذا يكون كل منهما على بينة من أمره، وعليه أن يأخذ من الاحتياطات للوفاء بالتزامه ما لا يدخل منه عليه ضرر كبير، أما إذا تعاقدا دون شرط فإن الالتزامات الآجلة تقضى بما وقع عليه الاتفاق من العملة في العقد.

أما المعيار الذي يرجع إليه المتعاقدان، فهو ما يتفقان عليه: سواء أجعلوا المعيار الذهب أو عملة بلد اقتصادها سليم يصمد على الاهتزازات أو سلة عملات، فعلى أية طريقة واضحة ومحددة من البداية يكون الاعتماد.

والله أعلم وأحكم وهو حسبي ونعم الوكيل.

كتبه فقير ربه محمد المختار السلامي

<<  <  ج: ص:  >  >>