الواقع إن هذه التقلبات تتطلب ربطًا قياسيًّا إلزاميًّا بالقيمة الحقيقية لكل الالتزامات المؤجلة، وبصورة خاصة لكل القروض والافتراضات وعقود العمل المحدودة المدة، وهذا ما يؤمن للاقتصاد سيرًا كفئًا عادلًا (١) .
فالأستاذ يربط بين العدالة وكفاءة الاقتصاد، ويؤكد أن الاندفاع في المجهول الذي لا يتحكم فيه الإنسان ولا يستطيع أن يعد له حساب مضر بالاقتصاد ومثبط لتطوره.
كما أن العدالة تقتضي أن يكون هناك مقياس متفق عليه في الالتزامات الآجلة لا ينتفع أحد الطرفين انتفاعًا غير مشروع على حساب الطرف الآخر.
والناظرون في قضية انخفاض القدرة الشرائية نظرهم مشدود إلى الأمثلة الطافية على السطح، وهي أمثلة بلغت من التشوه حدًّا صارخًا هي ما وصلت إليه العملة اللبنانية والتركية والمكسيكية مما ينطق كل لسان بأن أداء الديون بأمثالها ظلم لا يقبله عقل راشد ولا يمكن أن تقره شريعة نزلت بالميزان القسط، وكيف تلزم من له دين تساوي قيمته عمارة أن يقبض ما لا يكفي لكراء شقة. وهذه الصورة هي كقميص سيدنا عثمان رضي الله عنه تثير المشاعر أو تعجل بالحكم ولا تتعمق في أبعاد المشكلة.
ما يقتضيه الربط القياسي:
لما كانت القاعدة التي استندت إليها الدعوة للربط القياسي هي العدالة، فإن العدالة لا تفرق بين دين ودين، ولا بين وضع ووضع، ولذلك لا بد من التفصيل في الالتزامات الآجلة حتى نتصور ما يترتب على هذا الأساس.
١- الديون التي منشؤها القرض بلا ربا: وهو عمل خير قصد به وجه الله، ثم حدث أن ضعفت القوة الشرائية للنقود التي تم بها القرض: فاعتمادًا على قاعدة العدالة يجب أن يضاف إلى الدين نسبة النقص، فإذا فرضنا أن التآكل للقيمة هو ٨? في السنة، ومضى على الدين خمس سنوات مما يفرض على المدين أن يضيف حوالي ٥٠? والمدين قد يكون نشاطه يوفر له التعويض عن التآكل، وقد لا يوفر له ذلك.
فالأجراء والموظفون في معظم بلاد العالم لا يوجد ربط قياسي ينطبق بصفة آلية على أجورهم ورواتبهم، بل إن الزيادات التي تتحقق بعد مفاوضات طويلة مقصودة غالبًا لا يقبضها أصحابها إلا بعد أن يكون مفعول التضخم قد تجاوزها، فهذه الشريحة من المجتمع وهي الأكثر نكون قد ظلمناها لو طبقنا مبدأ الربط القياسي، لنضمن للجهة الأقوى الدائن كامل حقوقه، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فإنه إذا تم هذا بين مسلمين من ألمانيا وارتفعت قيمة المارك الألماني فإن تطبيق مبدأ العدالة يقتضي أن لا يطلب الدائن عدد الماركات التي أقرضها وإنما يتقاضى أقل منها على نسبة القوة الشرائية التي حصل عليها المارك.
(١) سلسلة محاضرات العلماء البارزين (١) ص٣١ البنك الإسلامي للتنمية