للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنه بجانب هذه العوامل الخارجية قد تحدث عوامل داخلية فتؤثر في البلد الذي حدثت فيه انهيارًا اقتصاديًّا كبيرًا، وذلك ما يحدث من فتن داخل الحدود القومية يصحبها عجز الحكومة القائمة عن ضمان أمن المواطنين على أنفسهم وأموالهم ويتبع ضعف سلطة الدولة عن القيام بواجباتها ضعف الثقة بالنقد فتهبط قوى الإنتاج وتفتح أسواق الظلام لتزيد الحالة سوءًا أو الأزمة استفحالًا كما حدث في لبنان، أو ما يحدث من تحول سريع من اقتصاد مسير إلى اقتصاد حر، فتتسارع إلى السوق قوى يحمل أصحابها الخوف من فوات الفرصة بما ترسب في نفوسهم من اقتصاد مسير فهم لا يبنون نشاطهم على نظرة بعيدة المدى خوفًا من الارتداد إلى الوراء والحالة التي كانوا عليها، يحملهم ذلك على استعجال الربح وتهتز البنى الاقتصادية وتحدث زيادة سريعة في تكليف الإنتاج، فيحدث التضخم المتسارع.

العدالة أساس سلامة المعاملات:

لم تسلم الدول ذات الاقتصاد المزدهر من آفة تقلبات العملة، فإذا كانت العملة الألمانية واليابانية آخذة في الصعود المتواصل في هذه الأيام فإن العملة الإيطالية والأسبانية والدنماركية قد هبطت والجنيه الإسترليني عرف هو أيضًا اهتزازات فماذا صنعت هذه الدول؟

لحد الآن لم تربط هذه الدول أداء الديون والالتزامات الآجلة بما طرأ على النقود من انخفاض أو ارتفاع، رغم أن أثره الأصلي أو التراكمي يبلغ نسبًا كبيرة. وهذا ما جعل الاقتصاديين يلفتون النظر إلى وجوب القيام بالإصلاح.

يقول الأستاذ موريس إليي في محاضرته الشروط النقدية لاقتصاد الأسواق من دروس الأمس إلى إصلاحات الغد:

"إن عمل اقتصاد الأسواق يعتمد على عدد كبير من الالتزامات المؤجلة، فهذا المشروع يلتزم بتقديم إنتاج معين بثمن معين، وهذا المشروع هو يشغل عاملًا يؤمن له مستوى معينًا من الأجر والقائم عليه يقترض الأموال اللازمة له لتنفيذه مع التزامه بسداد القروض وفوائدها، إن كفاءة الاقتصاد كالعدالة تستلزم الوفاء بهذه الالتزامات. كما تستلزم أن لا ينهب الدائنون ولا المدينون، فمن المناسب إذن أن نحمي المتعاقدين جميعًا من تغيرات القوة الشرائية للنقود ".

إن تقلبات القيمة الحقيقية للنقود باعتبارها لا تمكن من أي حساب اقتصادي صحيح إنما تشكل مصدرًا كبيرًا لعدم الكفاءة، وتؤدي في النهاية إلى إضعاف مركز الضعفاء، وإلى استحالة تطبيق أي سياسة اجتماعية فتلك التقلبات إذ تحقق الثراء لبعض الفئات الاجتماعية على حساب الفئات الأخرى، إنما تجلب مظالم تصير مع الزمن غير محتملة ولا مغتفرة أخلاقيًّا، إن متطلبات الكفاءة هنا تلحق بمتطلبات العدالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>