للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- أنه يقاس انقطاع السكة التي في الذمة على انقطاع المسلم فيه عند حلول الأجل فكلاهما في الذمة وكلاهما منقطع، فالحكم في الأصل أي السلم أن يعود رأس المال إلى دافعه. فكذلك إذا انقطعت السكة عاد رأس المال إلى دافعه.

٣- أنه بالتحول عن نفس السكة التي عمرت بها الذمة إلى السكة الجديدة ووجوب إبراء الذمة بإعطاء قيمة الدين يثور إشكال هو: ما هي القيمة؟ لأن القيمة قد تختلف بين وقت انبرام العقد، ووقت حلول أجل الدين الذي هو يوم الوفاء بما في الذمة. ووقت انقطاع السكة. فعلى أيهما يقوم الدين؟

ذهب بعضهم إلى أن القيمة هي قيمة الدين يوم عمرت به الذمة. وقت عقد القرض أو البيع الآجل.

وذهب بعضهم إلى أن الذمة بقيت مشغولة إلى يوم الوفاء بالدين فعندها ينظر في قيمة الدين ليتساوى الإبراء مع الدين، ذلك أنه قبل حلول الأجل ليس للدائن الحق في مطالبة المدين، وإذا لم يكن له حق المطالبة فلا يمكن أن يتصور تقويم ما لا حق له في المطالبة به.

ورأي ثالث: أنه ينظر في القيمة يوم التحول للسكة، فذلك هو اليوم الذي انتقل فيه ما عمرت به الذمة من السكة القديمة إلى السكة الجديدة، وإذا كان الشيخ عبد الحميد الصائغ يعود بانقطاع السكة إلى القيمة مطلقًا فإن معاصره في البلاد الإفريقية الشيخ أبا الحسن اللخمي يناقشه فيما ذهب إليه: ويلزم الدائن بقبول السكة المقطوعة، يقول المازري: ولما جرت هذه المسألة في مجلس شيخي الشيخ أبي الحسن اللخمي – رحمه الله - أخذت أنتصر لما قاله شيخي أبو محمد عبد الحميد فقال لي الشيخ أبو الحسن: إني كنت ناظرته على المسألة وألزمته أن يجعل مقالًا لمن أسلم في طعام فصار الطعام لا يساوي شيئًا له قدر، أن يبطل السلم لأنه إنما دفع ما ينتفع به ليأخذ ما ينتفع به، فحاولت الانتصار لشيخنا أبي محمد عبد الحميد لما أفهمني شيخنا أبو الحسن أنه لم ينفصل له عن هذا بأن قلت له: السلم الأصل فيه أن لا يجوز لأنه بيع ما ليس عندك، لكن رخص فيه لأجل الرفق والحاجة والارتفاق الذي هو سبب الرخصة إنما هو اختلاف الأسواق، ولهذا لم يجز مالك السلم الحال.

واشترط في صحة السلم أجلًا تختلف الأسواق فيه، فلو آثر اختلاف الأسواق فسخه، وهو السبب في جوازه وصحته لكان كالمتناقض، بخلاف الدنانير والدراهم التي يجوز البيع بها في الذمة حالًا وإلى أجل قريب أو بعيد فإذا كانت مما بين فيها جواز المعاملة على اختلاف الأسواق فإن اختلافها اختلاف يتفاوت تفاوتًا كثيرًا يؤثر في العقد، فلم يجبني عن هذا بشيء أنقله عنه. (١)

ثم إنه بعد المازري جاء ابن الحاجب في مختصره فقال: لو قطعت الفلوس فالمشهور المثل، ولو عدمت فالقيمة وقت اجتماع الاستحقاق والعدم، فهما صورتان: الانقطاع والعدم (شرح ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب) فصور المسألة الأولى بقوله: يعني لو باعه بفلوس أو سلفه إياها فقطع التعامل بها لقضي عليه بمثلها لأن ذلك لكسادها فهو مصيبة ممن له الفلوس.


(١) شرح المازري على التلقين ص١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>