للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعلق على هذه الفتوى فيقول: وهو خطأ من الفتوى. (١)

إن ابن عبد البر قد بنى فتواه في نظري على أمرين:

١- أن المكتري يستوفي المنفعة شيئًا فشيئًا فيستحق المالك ما يقابل المنفعة التي مكن منها المكتري بالسكة التي يتعامل بها الناس وقت الانتفاع، ولما تغيرت السكة وجب أن يتسلم ما يقابل المنفعة مما يتداوله الناس بينهم. وهذا مراعاة لجانب العدالة.

٢- أن التنظيمات التي يحدثها ولي الأمر والتي لا تتعارض مع نصوص الشارع يجب على المسلم أن يحترمها ويعمل بها، ولما منع الحاكم من تداول نقد من النقود فإنه يجب على كل فرد أن يطيعه وهذا يوجب أن يكون إبراء الذمة لا يتم إلا بالنقد الذي أذن فيه.

وهذه النظرة التي أخذت تظهر بقوة في بلاد الأندلس نجد في نفس الفترة من يذهب إليها من اعتبار الواقع في حقيقته لا في ظاهره.

فقد ذكر الإمام المازري في شرحه للتلقين في باب الصرف أن شيخه عبد الحميد الصائغ يعدل عن المذهب المذكور من المدونة، ويعتل بأنه أعطى منتفعًا به ليأخذ منتفعًا به فلا يظلم بأن يعطي ما لا منفعة له فيه – ولا يحصل هذا الغرض إلا بأن يأخذ قيمتها، قال: وإذا لم توجد بعد انقطاعها كان عليه قيمة السلعة، كمن أسلم في فاكهة فانقطع إبانهما. إن السلم ينفسخ ويرد رأس المال إلى دافعه، وإن كانت قرضًا فانقطعت ولم توجد كانت عليه قيمتها يوم انقطاعها إذا كان الأجل قد حل، وإن لم يحل الأجل فإنه قبل الأجل لا يستحق المطالبة به، فلا يقوم له ما لا يستحق المطالبة به. (٢)

فالشيخ عبد الحميد الصائغ مع تلميذه المازري لاحظا:

١- أن الدائن عمر ذمة المدين بشيء منتفع به، أي له قيمة وقت العقد، ومعنى هذا أن ملكه بعد أن كان في ضمانه وينتفع بخراجه، قد انتقل إلى المدين وهو الذي ينتفع بخراجه فيكون من العدل أن يعود للدائن نظير ما سلمه لا في العدد الظاهري ولكن في القيمة النفعية التي كانت وقت العقد، فإذا بقيت السكة رائجة على حالها كان العدل أن يأخذ نفس السكة، وإذا انقطعت وحولت أخذ قيمتها من السكة الجديدة حتى تكون هذه السكة المحدثة التي يتقاضاها عن دينه تمكنه مما كان يتمكن منه من السكة القديمة لو لم تحول.


(١) المعايير ج ٦ ص ١٦٣
(٢) شرح التلقين: مخطوط مكتبة القرويين بفاس ص١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>