للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن قدامة معلقاً على حديث ابن عمر "ولأن هذا جرى مجرى القضاء، فقيد بالمثل كما لو قضاه من الجنس، والتماثيل ههنا من حيث القيمة لتعذر التماثل من حيث الصورة" (١)

ثم إن هذه المسألة ليست بدعاً في الأمر، ولا هي من المسائل التي لا نجد فيها نصًّا لفقهائنا السابقين في أشباهها، بل نجد لها مثيلات كثيرة في فقهنا الإسلامي نذكر بعضها هنا:

يقول الإمام الرافعي: "وإذا أتلف حلياً وزنه عشرة، وقيمته عشرون، فقد نقل أصحابنا وجهين فيما يلزمه:

أحدهما: أنه يضمن العين بوزنها من جنسها، والصنعة بقيمتها من غير جنسها سواء كان ذلك نقد البلد، أو لم يكن؛ لأنه لو ضمنا الكل بالجنس لقابلنا عشرة بعشرين وذلك ربا.

وأصحهما عندهم: أنه يضمن الجميع بنقد البلد، وإن كان من جنسه" (٢)

ونجد أمثلة كثيرة في كل المذاهب الفقهية في باب ضمان المتلفات –كما سبق- ونجد كذلك في باب العقود عند مالك، حيث أجاز أن يعطى الإنسان مثقالاً وزيادة في مقابل دينار مضروب، وكذلك أجاز بدل الدينار الناقص بالوزن، أو بالدينارين، وروى مثل ذلك عن معاوية (رضي الله عنه) يقول ابن رشد: "وأجمع الجمهور على أن مسكوكه وتبره ومصوغه سواء في منع بيع بعضه ببعض متفاضلاً، لعموم الأحاديث المتقدمة في ذلك إلا ومعاوية، فإنه كان يجيز التفاضل بين التبر، والمصوغ لمكان زيادة الصياغة، وإلا ما روى عن مالك أنه سأل عن الرجل يأتي دار الضرب بورقه فيعطيهم أجرة الضرب، ويأخذ منهم دنانير ودراهم وزن ورقه، أو دراهمه، فقال: إذا كان ذلك لضرورة خروج الرفقة ونحو ذلك، فأرجو ألا يكون به بأس، وبه قال ابن القاسم من أصحابه" (٣)

والمقصود بهذا النص أن الزيادة ما دام لها مقابل، لا تعتبر ربا، لأن الربا هو: "الفضل المستحق لأحد العاقدين في المعاوضة الخالي عن عوض شرط فيه" (٤)

الاعتراض الثاني:

إن القول برعاية القيمة يؤدي إلى تحطيم النقود كنقد، وبالتالي تترتب عليه مشاكل لا عد لها ولا حصر؟

الجواب عن ذلك: أننا لا نسلم أن ذلك لا يؤدي إلى تحطيم النقود، وإنما يؤدي إلى أن يكون دورها محصوراً بحيث لا تؤدي جميع وظائفها الأربع المعروفة وهذا لا يضر، حيث اعترف كثير من الاقتصاديين بأن نقودنا لا تؤدي هذه الوظائف جميعها، أو لا تؤديها على شكل مقبول، كما أنهم الآن وسعوا مفهوم النقد، ليشمل أنواعاً كثيرة لا يؤدي بعضها إلا وظيفة واحدة –كما سبق- مع أن ذلك لا يتعارض مع نقديتها، وسبق أن الفقهاء الذين قالوا بأن الفلوس ثمن، ومع ذلك لم يثبتوا لها جميع الأحكام الخاصة بالذهب، أو الفضة.


(١) المغني (٤/٥٥)
(٢) فتح العزيز (١١/٢٧٩-٢٨٠) ؛ والروضة (٥/٢٣)
(٣) بداية المجتهد (٢/١٩٦)
(٤) فتح القدير (٧/٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>