للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن جانب آخر أن ذلك إنما يحصل إذا لم توضع معايير دقيقة، ولكنا ما دمنا نعترف بالنقود الورقية بأنها نقود –وإن كانت لا تؤدي جميع الوظائف- وتربط إما بمعيار الذهب، أو معيار السلعة، فإنه في الحقيقة لا تحدث أية مشكلة تذكر، بل هي تحقق العدالة، بالإضافة إلى أننا لا نلجأ إلى عملية التقويم دائماً، فلا نلجأ إليه في جميع العقود التي يتم فيها قبض الثمن مباشرة، وكذلك لا نلجأ إلى التقويم في العقود التي كون الثمن مؤجلاً إلا في حالة الغبن الفاحش أو انهيار قيمة النقد، كما سبق.

الاعتراض الثالث:

لماذا لا نعتد بالرخص والغلاء في الذهب والفضة، والحنطة والشعير ونحوهما في الوقت الذي نعتد بهما في النقود الورقية؟

الجواب عن ذلك: أن هذه القضية تتعلق بالمثلي والقيمي، حيث لا ينظر في المثلي إلى القيمة، وأما القيمي، فيلاحظ فيه القيمة –كما سبق- ونحن قلنا: إن النقود الورقية لا يمكن اعتبارها مثل الذهب والفضة في جميع الأحكام، ولا إلغاء نقديتها، وإنما الحل الوسط هو ما ذكرناه.

ومن هنا فهي وإن كانت مثلية –كقاعدة عامة- لكنها عند وجود الفرق الشاسع يلاحظ فيها القيمة، كالماء الذي أخذه الإنسان في الصحراء، فلا يرجع له الماء، وإنما عليه قيمته في ذلك المكان.

وهذا الحل ليس خاصًّا برد القرض، بل هو عام في جميع الحقوق التي تؤدى بالعملات الورقية، فنرى ضرورة ملاحظة القيمة في الإجارات والرواتب والأجور ونحوها، وهذا ما تلاحظه الدول المتقدمة عندما يكون التضخم كبيراً، فليس من العدالة أنك لو استأجرت بيتاً بألف ليرة لبنانية أو نحوها – عام سبعين أن تدفع نفس المبلغ اليوم، فألف في ١٩٧٠ كان يساوي ٥٠٠ دولار تقريباً وألف اليوم يساوي دولارين فقط، وكذلك الرواتب والأجور. والله أعلم.

وفي الختام هذا ما اطمأنت إليه نفسي، وأدى إليه اجتهادي المتواضع فإن كنت قد أصبت فمن الله، وإلا فعذري أنني بذلت كل ما في وسعي ولم أرد به إلا وجه الله تعالى.

ومع ذلك فما أقوله عرض لوجهة نظري، أرجو أن تنال من الباحثين الكرام النقد والتحليل، للوصول إلى حل جذري أمام هذه المشكلة.

وكلمة أخيرة أكررها هي أنه ليس هناك من محيص للخروج من هذه الأزمات الجادة إلا بالرجوع إلى النقدين الذاتيين، أو على الأقل ربط نقود الورقية بالغطاء الذهبي، وهذا ما يدعو إليه كثير من الاقتصاديين، بل بعض المؤتمرات –كما سبق- فلا شك في أن ربط النقد الورقي بالذهب إنما هو إعادة إلى أصله الذي تأصل عليه، فإلى أن نعود إلى هذا النظام فلا بد من أن نلاحظ القيمة في نقودنا عندما تقتضيه الضرورة والحاجة، حتى تتحقق العدالة "دون وكس ولا شطط".

والله الموفق وهو من وراء القصد، والهادي إلى سواء السبيل.

الدكتور علي محيي الدين القره داغي

<<  <  ج: ص:  >  >>