للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي بعض القوانين الحديثة نرى أن مجرد التذبذب الخفيف في أسعار العملات الورقية لا يؤثر إلا إذا تجاوز ٥?، ومن هنا وضعوا معياراً لأدنى ما يعتبر فيه التضخم مؤثراً في الإيجارات ونحوها. (١)

وأما الانهيار فهو ألا تبقى قيمة تذكر للنقد لأي سبب كان.

زمن التقويم ومكانه:

إذا كنا قد رجحنا اعتبار القيمة في النقود الورقية حينما يكون هناك فرق شاسع بين القوة الشرائية لها عند إنشاء العقد وثبوتها في ذمة المدين، وبين إرادة ردها، فأي وقت نعتبر؟ هل نعتبر قيمة النقد يوم إنشاء العقد؟ وهل نعتبر مكان العقد؟ أم مكان الرد؟

والذي نرجحه هو رعاية القيمة يوم إنشاء العقد وقبض المعقود عليه، ومكانه، أي تقوم النقود الورقية يومئذ كم كانت تساوي من الذهب، أو كم يشترى بها من السلع الأساسية، ثم على أساسها يرجع الدين، أو يوفى بما يلتزم به من مهر، أو ثمن البيع الآجل أو غير ذلك، فلو دفع رجل قبل عشر سنوات (أي في ١٩٧٧) لآخر مائة جنيه، أو باع له أرضاً بها، أو كان مهر زوجته مثل هذا المبلغ، فالآن يقوم بالمبلغ المذكور على أساس عام (١٩٧٧) كم يشترى به من الذهب؟ أو من السلع الأساسية على ضوء أحد المعيارين السابقين؟ أو متوسط ما يشترى به من الذهب والسلع الأساسية؟ فلو كان هذا المبلغ المذكور في وقته كان يشترى به بقرة مثلاً، فيجب عليه أن يرد مبلغاً يشترى به بقرة، أو كان يشترى به عشرون جراماً من الذهب عيار (٢١) فيجب عليه أن يرد ما يشترى به هذا القدر –وهكذا- إلا إذا تراضيا بالمعروف.

والذي يشهد لذلك هو أن جمهوراً من ذهب إلى اعتبار القيمة في الفلوس، والنقود المغشوشة، بل حتى النقود الخالصة عند كسادها، أو انقطاعها، ذهبوا إلى أن المعتبر هو يوم إنشاء العقد والقبض، ومكانه قال المرغيناني "وإذا اشترى بها -أي بالدراهم المغشوشة- سلعة وترك الناس التعامل بها قال أبو يوسف عليه قيمتها يوم البيع وقال محمد قيمتها آخر ما تعامل الناس بها" ثم علل أبو يوسف ذلك بأن الضمان إنما تم بالبيع، وهو سببه فلا بد إذن من اعتباره، (٢) وقد رجح الكثيرون من الأحناف رأي أبي يوسف. قال المرغيناني: "وقول أبي يوسف أيسر" فعلق عليه ابن الهمام، والبابرتي فقالا: " لأن القيمة يوم القبض معلومة ظاهرة لا يختلف فيها بخلاف ضبط الانقطاع، فإنه عسر، فكان قول أبي يوسف أيسر في ذلك" (٣) قال ابن عابدين: "وفي المنتقى: إذا غلت الفلوس قبل القبض، أو رخصت، قال أبو يوسف: عليه قيمتها من الدراهم يوم وقع البيع، ويوم وقع القبض، وعليه الفتوى، وهكذا في الذخيرة والخلاصة، فحيث صرح بأن الفتوى عليه في كثير من المعتبرات، فيجب أن يعول عليه إفتاء وقضاء" (٤)


(١) من قانون لوكسمبورج
(٢) الهداية مع فتح القدير (٧/١٥٤)
(٣) فتح القدير، مع شرح الغاية على الهداية (٧/١٥٤-١٥٩)
(٤) رسالة النقود (٢/٦٠-٦١)

<<  <  ج: ص:  >  >>