للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجمع بين المعيارين:

ويمكن لقاضي الموضوع، أو المحكم أن يجمع بين المعيارين بأن يأخذ في اعتباره متوسط قيمة النقد بالنسبة للذهب والسلع الأساسية يوم إنشاء العقد.

متى نلجأ إلى التقويم؟

لا شك أننا لا نلجأ إلى التقويم في كل الأحوال، ولا عند وجود التراضي بين الأطراف، وإنما نلجأ إليه عند وجود الغبن الفاحش الذي يلحق بأحد العاقدين سواء كان في عقد القرض. أم البيع بالأجل. أم المهر. أو غير ذلك من العقود التي تتعلق بالذمة ويكون محلها نقداً آجلًا ثم تتغير قيمته من خلال الفترتين –فترة الإنشاء وفترة الرد والوفاء- تغييراً فاحشاً، وبعبارة أخرى نلجأ إلى القيمة عند الانهيار النقد كما حدث لليرة اللبنانية والدينار العراقي والدينار الكويتي فترة الاحتلال، حيث لم تبق لهما قيمة تذكر فأصبحت –كما قال البهوتي- أشياء لا ينتفع بها الانتفاع المطلوب، وكذلك عند وجود الارتفاع الحاد كما حدث للمارك الألماني بعد الحرب العالمية الثانية. ويستأنس لذلك بما ذهب إليه جماعة من الفقهاء من اعتبار الغبن الفاحش حتى في البيوع التي مبناها على المساومة، (١) كما ذكر بعض العلماء مثل الرهوني أن التغيير الكثير لا بد من ملاحظته حتى في المثليات، فيجعلها من القيميات، وكذلك قال الرافعي وغيره في مسائل كثيرة –كما سبق-.

معيار التغير الفاحش أو الانهيار:

قبل أن نذكر هذا المعيار، نرى فقهاءنا الكرام قد وضعوا عدة معايير لمقدار الغبن الفاحش الذي يعطي الخيار في الفسخ عندما يقع في البيع ونحوه.

يقول القاضي ابن العربي، والقرطبي وغيرهما: "استدل علماؤنا بقوله تعالى: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن: ٩] على أنه لا يجوز الغبن في معاملة الدنيا؛ لأن الله تعالى خصص التغابن بيوم القيامة.. وهذا الاختصاص يفيد أنه لا غبن في الدنيا، فكل من اطلع على غبن في مبيع فإنه مردود إذا زاد على الثلث، واختاره البغداديون.. وأن الغبن في الدنيا ممنوع بإجماع، إذ هو من باب الخداع المحرم شرعاً في كل ملة، لكن اليسير لا يمكن الاحتراز عنه لأحد، فمضى في البيوع. (٢)

ثم إن العلماء قد ثار الخلاف بينهم في تحديد الغبن الفاحش فبعضهم حدده بما زاد على قيمة الشيء بالثلث، وبعضهم بنصف العشر، وبعضهم بالسدس، وذهب جمهورهم إلى معيار مرن قائم على ما يعد عرف التجار غبناً، وهذا الأخير هو الذي رجحناه. (٣) ونرجحه هنا أيضاً في باب تقويم النقود الورقية، فما يعده التجار في عرفهم غبناً فاحشاً فهو غبن فاحش هنا أيضاً، وإذا اختلفوا فالقاضي يحكم بما يرتاح إليه حسب الأدلة والظروف والملابسات التي تحيط بالقضية بعينها.


(١) يراجع في تفصيل ذلك: مبدأ الرضا في العقود، ط. دار البشائر الإسلامية، بيروت (١/٧٣٥) .
(٢) أحكام القرآن لابن العربي (٤/١٨١٦)
(٣) مبدأ الرضا في العقود المعتمدة (١/٧٣٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>