للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى النسائي: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقومها على أهل الإبل إذا غلت رفع قيمتها، وإذا هانت نقص من قيمتها على نحو الزمان ما كان، فبلع قيمتها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الأربعمائة دينار إلى ثمانمائة دينار. أو عدلها من الورق" (١) وروى البخاري بسنده في قصة شراء النبي صلى الله عليه وسلم ناقة جابر قال ابن جريج عن عطاء وغيره، عن جابر: "أخذته بأربعة دنانير". وهذا يكون أوقية على حساب الدينار بعشرة دراهم. (٢)

كل ما ذكرناه يدل بوضوح على أهمية اعتبار السلع الأساسية وجعلها معياراً يرجع إليها عند التقويم، ومن هذا المنطلق يمكن أن نضع سلة لهذه السلع ونقيس من خلالها قيمة النقود –كما ذكرنا- ولذلك نرى الأستاذ القرضاوي يثير تساؤلاً حول ما إذا هبطت قيمة الذهب أيضاً: فهل من سبيل إلى وضع معيار ثابت للغنى الشرعي؟ فيقول: "وهنا قد نجد من يتجه إلى تقدير نصاب النقود بالأنصبة الأخرى الثابتة بالنص" ثم ذكر عدة خيارات داخل السلع الأساسية، مثل الإبل، والغنم، والزروع والثمار، ثم رجح كون الإبل والغنم المعيار الثابت، حيث إن لهما قيمة ذاتية لا ينازع فيها أحد.

المعيار الثاني:

الاعتماد على الذهب باعتباره في حالة نشأة العقد الموجب للنقود الورقية، وفي حالة القيام بالرد، وأداء هذا الالتزام، بحيث ننظر إلى المبلغ المذكور في العقد كم كان يشترى به من الذهب؟ فعند هبوط سعر النقد الورقي الحاد أو ارتفاعه الحاد يلاحظ في الرد –وفي جميع الحقوق والالتزامات - قوته الشرائية بالنسبة للذهب، فمثلاً لو كان المبلغ المتفق عليه كان عشرة آلاف ريال ويشترى به عشرون جراماً من الذهب، فالواجب عند الرد والوفاء بالالتزام المبلغ الذي يشترى به هذا القدر من الذهب. وذلك؛ لأن الذهب في الغالب قيمته أكثر ثباتاً واستقراراً. وأنه لم يصبه التذبذب والاضطراب مثل ما أصاب غيره حتى الفضة (٣) ولذلك رجح مجمع البحوث الإسلامية الاقتصار –في التقويم بخصوص النصاب في عروض التجارة والنقود الورقية- على معيار الذهب فقط، لتميزه بدرجة ملحوظة من الثبات (٤) ويشهد لاعتبار الذهب دون الفضة في التقويم أن الذهب لم يقوم بغيره في حين أن الفضة قد قومت به في مسألة نصاب السرقة، يقول السيوطي:

"الذهب والفضة قيم الأشياء إلا في باب السرقة، فإن الذهب أصل، والفضة عروض بالنسبة إليه" نص عليه الشافعي في الأم، وقال: "لا أعرف موضعاً تنزل فيه الدراهم منزلة العروض إلا في السرقة" (٥)

ثم إذا حصل توافق وتراض بين الطرفين على القيمة فبها ونعمت، وإلا فيرجع الأمر إلى القضاء، أو إلى التحكيم، وتنطبق على هذه المسألة حينئذ جميع القواعد العامة في الدعوى والبينات والقضاء.


(١) سنن النسائي. كتاب القسامة (٨/٤٣)
(٢) صحيح البخاري مع فتح الباري كتاب الشروط (٥/٣١٤)
(٣) فقه الزكاة (١/٢٦٥- ٢٦٩) .
(٤) مقررات مجمع البحوث الإسلامية في مؤتمره الثاني سنة ١٩٦٥، القرار (٢) ٢ص (٢٠٤) ، ويراجع فقه الزكاة (١/٢٦٤) وذكر أن الاعتبار بالذهب في الزكاة هو ما اختاره الشيوخ الأجلاء أبو زهرة، وخلاف، وحسن رحمهم الله.
(٥) الأشباه والنظائر ص (٣٩٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>