للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً: لا يجوز أن ننسى أن الأرقام القياسية لنفقات المعيشة أدق ما تكون في التعبير عن تقلبات نفقات المعيشة بالنسبة لجمهور طبقة معينة من طبقات المستهلكين. إذ يقوم اختيار أصناف السلع والخدمات التي تشتق هذه الأرقام من أسعارها، كما ينبني ترجيح هذه الأصناف طبقاً لأهميتها النسبية في الإنفاق، على أساس ميزانية الأسرة النموذجية (أو الأسرة العادية) في هذه الطبقة المعينة من طبقات المستهلكين. وبناء على هذا، لا تتعدى دلالة الأرقام القياسية لنفقات المعيشة مجرد الإشارة إلى التغيير النسبي في نفقات المعيشة لو أن الأسرة النموذجية من هذه الطبقة المعينة قد استمرت على شراء الكميات النسبية نفسها من السلع والخدمات التي افترضنا شراءها لها في سنة الأساس. لا صعوبة بعد ذلك في أن يفطن القارئ إلى الاعتبارات الآتية:

١- لما كانت الأسر المختلفة –وإن انتمت إلى الطبقة نفسها- تختلف اختلافاً ملحوظاً في عادات الاستهلاك سواء أكان ذلك بالنسبة لأصناف السلع المستهلكة أم بالنسبة لأهميتها النسبية في الإنفاق، فلا دلالة للرقم القياسي لنفقات المعيشة عن تقلبات نفقات المعيشة بالنسبة لكل أسرة ولأية أسرة بالذات. (١) وإنما يستدل بهذا الرقم على تقلبات نفقات المعيشة بالنسبة لجمهور المستهلكين المنتمين إلى هذه الطبقة على العموم.

٢- ولما كانت الطبقات المختلفة اختلافاً جوهريًّا في عادات الاستهلاك وفي نسب توزع دخولها على شتى وجوه الإنفاق، فإنه لا استدلال، من باب أولى، بأرقام نفقات المعيشة التي ينظر في تركيبها إلى نماذج الاستهلاك الخاصة بالطبقة العاملة أو بطبقة صغار الموظفين فعلى تقلب نفقات المعيشة بالنسبة لكبار الملاك مثلاً.

٣- كما أنه حيث يطول العهد بين سنة الأساس والسنة المقارنة يضعف الاحتجاج بهذه الأرقام على العموم، نظراً لما يدخله الزمن على عادات الاستهلاك وعلى نسب توزيع الدخل على مختلف وجوه الإنفاق من تغيير وتبديل سواء أكان ذلك راجعاً لتغير تكوين الأسرة أم لظهور سلع جديدة أم لالتزام الدولة بتقديم كثير من الخدمات المجانية للأفراد أم لتغير الأذواق والأهواء فضلاً عما يطرأ على مختلف الحاجات عبر الأيام من اختلاف في الجودة لا يدخله الرقم القياسي في الحسبان.

٤- وللسبب نفسه يكون من الصعب الاستدلال بالأرقام القياسية لنفقات المعيشة في مقارنة التغيير النسبي في تكاليف المعيشية في عدة بلدان مختلفة نظراً لاختلاف عادات الاستهلاك واختلاف نسب توزيع الدخل على مختلف وجوه الإنفاق من بلد إلى آخر.


(١) د. شافعي: مذكرة في النقود ص ٧٥-٧٧. وانظر في قياس التضخم كتاب الدكتور إسماعيل هاشم ص ٢١٤-٢٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>