للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناقشة الأقوال الواردة في تكييف الوديعة:

يظهر أن مصطلح الوديعة الجارية نقل من القانون الغربي، كغيره من المصطلحات المنقولة، واستعمل بنفس اللفظ عند المسلمين، مع وجود الاختلاف البين بين دلالة اللفظ ومعناه وما استعمل فيه، فالوديعة المصرفية لا ينطبق عليها اصطلاح الوديعة الشرعية؛ لأن البنوك والمصارف لا تأخذها كأمانة وتردها إلى أصحابها بعينها، وإنما تتصرف فيها وتلتزم برد المثل، وأحيانا تدفع فوائد على الأموال التي تودع عندها، ومن المعلوم قطعا أن أحدا لن يدفع مبلغا من المال لمن يودع عنده. بل ولو كانت وديعة حقيقية لحصل العكس بأن يدفع صاحب المال أجرا على حفظ ماله. (١)

ومن الواضح أن البنوك ضامنة لما أودع فيها برد مثله ولو كان الهلاك بسبب قهري (٢) والوديعة لا تضمن إلا إذا هلكت بسبب تقصير من المودع.

وأما الاتجاه الذي يرى خضوع الوديعة المصرفية لأحكام الوديعة الناقصة حيث يحتفظ البنك بما يماثل المودع قدرا ونوعا، فيناقش بأن هذا يخالف واقع نظام الإيداع المصرفي، حيث إن المصرف لا يحتفظ في خزانته بمقدار من النقود يساوي مجموع الأموال المودعة لديه وإلا تعطلت نشاطاته، وإنما يحتفظ بنسبة معينة منها وهو ما يعرف بالاحتياطي القانوني لمواجهة احتمالات طلبات الرد، والاحتفاظ بنسبة من المبلغ وليس الاحتفاظ بأجزاء من الأموال بأعيانها. (٣)


(١) دفع صاحب المال لا وجود له في العمل المصرفي غالبا بل تحرص البنوك على جذب أكبر قدر من الودائع وتحاول جاهدة إغراء المودعين بما تدفعه لهم من فوائد أو تقدمه لهم من تسهيلات.
(٢) السالوس، حكم ودائع البنوك: ٥٢، الحسني؛ الوديعة المصرفية: ١٠٣-١٠٤.
(٣) الحسني، الوديعة المصرفية: ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>