للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٣- ولو أراد رب السلم أن يجعل الدين الذي في ذمة المسلم إليه رأس مال السلم، فإن ذلك غير جائز عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة ومالك والأوزاعي والثوري وغيرهم؛ وذاك لأن المسلم فيه دين، فإذا جعل الثمن دينا، كان بيع دين بدين، وهو غير جائز بالإجماع. (١)

وخالفهم في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وذلك لعدم تحقق المنهي عنه –وهو بيع الكالئ بالكالئ، أي الدين المؤخر بالدين المؤخر- في هذه المسألة إذا كان الدين المجعول رأس مال السلم غير مؤجل في ذمة المدين (٢) ، لأنها تكون من قبيل بيع الدين المؤخر بالدين المعجل، ولوجود القبض الحكمي لرأس مال السلم من قبل المسلم إليه في مجلس العقد، لكونه حالا في ذمته، فكأن المسلم –إذ جعل ماله في ذمته معجلا رأس مال السلم- قبضه منه ورده إليه، فصار دينا معجلا مقبوضا حكما، فارتفع المانع الشرعي؛ ولأن دعوى الإجماع على هذا المنع غير مسلمة.

جاء في (إعلام الموقعين) لابن القيم: (وأما بيع الواجب بالساقط، فكما لو أسلم إليه في كر حنطة بعشرة دراهم في ذمته، فقد وجب له عليه دين، وسقط له عنه دين غيره. وقد حكي الإجماع على امتناع هذا، ولا إجماع فيه. قاله شيخنا، واختار جوازه، وهو الصواب. إذ لا محذور فيه، وليس بيع كالئ بكالئ، فيتناوله النهي بلفظه، ولا في معناه فيتناوله بعموم المعنى، فإن المنهي عنه قد اشتغلت فيه الذمتان بغير فائدة) (٣) .


(١) ابن عابدين، رد المحتار، مرجع سابق ٤/٢٠٩؛ الرملي، نهاية المحتاج، مرجع سابق ٤/١٨٠؛ البهوتي، شرح المنتهى، مرجع سابق ٢/٢٢١؛ الزيلعي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، وحاشية الشلبي عليه، ٤/١٤٠ط. بولاق سنة ١٣١٤هـ؛ الرافعي، فتح العزيز، مرجع سابق ٩/٢١٢؛ ابن قدامة، المغني، مرجع سابق ٤/٣٢٩.
(٢) أما إذا كان الدين المجعول رأس مال السلم مؤجلا في ذمة المدين، فلا خلاف لأحد من الفقهاء في منع ذلك شرعا، وأنه من بيع الكالئ بالكالئ المحظور، لكونه ذريعة إلى ربا النسيئة.
(٣) ابن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين، مرجع سابق ٢/٩

<<  <  ج: ص:  >  >>