للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن رشد: (وأما تأخيره فوق الثلاث بشرط، فذلك لا يجوز باتفاق، سواء كان رأس المال عينا أو عرضا. فإن تأخر فوق الثلاث بغير شرط لم يفسخ إن كان عرضا، واختلف فيه إن كان عينا: فعلى ما في (المدونة) من السلم، يفسد بذلك ويفسخ. وعلى ما ذهب إليه ابن حبيب: أنه لا يفسخ إلا أن يتأخر فوق الثلاث بشرط) . (١)

على أن المالكية أنفسهم يصرحون بأن العزيمة في السلم إنما تتحقق بتعجيل رأس المال في مجلس العقد. يقول ابن عبد السلام: لم أعلم خلافا في كون تعجيل رأس المال عزيمة، وأن الأصل التعجيل، وإنما الخلاف: هل يرخص في تأخيره؟. (٢)

٢٢- بقي بعد هذا مسألة مهمة، وهي ما لو عجل رب السلم بعض رأس المال في المجلس، وأجل البعض الآخر، فما هو الحكم في هذه الحالة؟ اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

(أحدهما) للحنفية والشافعية والحنابلة: وهو أنه يبطل السلم فيما لم يقبض، ويسقط بحصته من المسلم فيه، ويصح في الباقي بقسطه. (٣) قال ابن نجيم: (وصح في حصته النقد لوجود قبض رأس المال بقدره، ولا يشيع الفساد لأنه طارئ، إذ السلم وقع صحيحا في الكل، ولذا لو نقد الكل قبل الافتراق صح) . (٤)

وعلل المالكية قولهم هذا بأنه (متى قبض البعض وأخر البعض فسد، لأنه دين بدين) . (٥)

واستدل الظاهرية على ذلك بأن السلم عقد واحد وصفقة واحدة، وكل عقد جمع فاسدا وجائزا، كان كله فاسدا؛ لأن العقد الواحد لا يتبعض، والتراضي منهما لم يقع حين العقد إلا على الجميع، لا على البعض دون البعض، فلا يحل إلزامهما بما لم يتراضيا جميعا عليه، لأنه أكل مال بالباطل لا عن تراض. (٦)

ومستند ابن أبي ليلى: أن الأصل عنده في أبواب المعاملات أن العقد إذا ورد الفسخ على بعضه انفسخ كله. (٧)


(١) ابن رشد، المقدمات الممهدات، مرجع سابق ص ٥١٦؛ وانظر عليش، منح الجليل، مرجع سابق ٣/٤.
(٢) عليش، منح الجليل، مرجع سابق ٣/٣.
(٣) النووي، روضة الطالبين، مرجع سابق ٤/٣؛ الرافعي، فتح العزيز، مرجع سابق ٩/٢١٠؛ البهوتي، كشاف القناع، مرجع سابق ٣/٢٩١؛ ابن نجيم، البحر الرائق، مرجع سابق، ٦/١٧٨؛ الخطيب الشربيني، مغني المحتاج شرح المنهاج، ٢/١٠٢ مط مصطفى البابي الحلبي بمصر سنة ١٣٧٧هـ.
(٤) ابن نجيم، البحر الرائق، مرجع سابق ٦/١٧٨.
(٥) أبو الحسن المالكي، كفاية الطالب الرباني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، مع حاشية العدوي عليه، ٢/١٦٣ ط. مصطفى الحلبي بمصر سنة ١٣٥٧هـ.
(٦) ابن حزم، المحلى، مرجع سابق ٩/١٠٩ وما بعدها.
(٧) الدبوسي، تأسيس النظر، ص٩٥ ط. دار الفكر ببيروت سنة ١٣٩٩هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>