للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ثالثا) بأن في السلم غررا احتمل للحاجة، فجبر ذلك بتعجيل قبض العوض الآخر، وهو الثمن، كيلا يعظم الغرر في الطرفين. (١)

(رابعا) بأن الغاية الشرعية المقصودة من إبرام العقود ترتب آثارها عليها بمجرد انعقادها، فإذا تأخر البدلان كان العقد عديم الفائدة للطرفين خلافا لحكمه الأصلي ومقتضاه وغايته. ومن هنا قال ابن تيمية عن تأخير رأس المال في السلم: "فإن ذلك منع منه لئلا تبقى ذمة كل منهما مشغولة بغير فائدة حصلت لا له ولا للآخر، والمقصود من العقود القبض، فهو عقد لم يحصل به مقصود أصلا، بل هو التزام بلا فائدة". (٢)

(خامسا) وبأن مطلوب الشارع صلاح ذات البين وحسم مادة الفساد والفتن، وإذا اشتملت المعاملة على شغل الذمتين، توجهت المطالبة من الجهتين، فكان ذلك سببا لكثرة الخصومات والعداوات، فمنع الشرع ما يفضي إلى ذلك باشتراط تعجيل قبض رأس المال. (٣)

٢٠-ولا يخفى أن اشتراط قبض رأس مال السلم قبل التفرق عند جمهور الفقهاء، إنما هو شرط لبقاء العقد على الصحة، وليس شرط صحة؛ لأن السلم ينعقد صحيحا بدون قبض رأس المال، ثم يفسد بالافتراق قبل القبض. وبقاء العقد صحيحا يعقب العقد ولا يتقدمه، فيصلح القبض شرطا له. (٤) وقد جاء في م (٣٨٧) من المجلة العدلية: (يشترط لبقاء صحة السلم تسليم الثمن في مجلس العقد، فإذا تفرق العاقدان قبل تسليم رأس مال السلم انفسخ العقد) .

٢١- وقد خالف المالكية –في المشهور عندهم- جمهور الفقهاء في اشتراط تعجيل رأس مال السلم في مجلس العقد، وقالوا: يجوز تأخيره اليومين والثلاثة بشرط وبغير شرط، تعويلا على القاعدة الفقهية (ما قارب الشيء يعطى حكمه) ، حيث إنهم اعتبروا هذا التأخير اليسير معفوا عنه؛ لأنه في حكم التعجيل. (٥) ومن هنا قال القاضي عبد الوهاب البغدادي في كتابه (الإشراف) في تعليل جواز ذلك التأخير اليسير: (فأشبه التأخير للتشاغل بالقبض) . (٦) .


(١) الرافعي، فتح العزيز، مرجع سابق ٩/٢٠٩
(٢) ابن تيمية، نظرية العقد، مرجع سابق ص٢٣٥.
(٣) القرافي، الفروق، ٣/٢٩٠ مط. دار إحياء الكتب العربية بمصر سنة ١٣٤٤هـ.
(٤) الكاساني، البدائع، مرجع سابق ٥/٢٠٣؛ ابن عابدين، رد المحتار، مرجع سابق ٤/٢٠٨؛ ابن نجيم، البحر الرائق، مرجع سابق ٦/١٧٧.
(٥) الخرشي، شرح مختصر خليل، مرجع سابق ٥/٢٠٢؛ ابن رشد الجد، المقدمات الممهدات، ص ٥١٦ مط. السعادة بمصر سنة ١٣٢٥هـ؛ الحطاب، مواهب الجليل، مرجع سابق ٤/٥١٤ وما بعدها؛ الونشريسي إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، مرجع سابق ص ١٧٣.
(٦) القاضي عبد الوهاب، الإشراف على مسائل الخلاف، مرجع سابق ١/٢٨٠

<<  <  ج: ص:  >  >>