للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما إذا كان التضخم متوقعاً –أي غير مفاجئ- فيفترض أن يكون البائع بالأجل قد أخذ في حسبانه ظروف التغيرات في الأسعار، ومن ثم في القيمة الحقيقية للمعاملة عند البيع، ويمكن تشبيه الأجر بالثمن المؤجل حيث يستحق بعد أداء عمل معين وتسليمه أو بعد انقضاء وقت معين متفق عليه، ولن تكون هناك مشكلة بالنسبة للأجر الحقيقي واحتمال التغير فيه في غضون الفترة القصيرة (الأسبوع أو الشهر أو السنة) في معظم الحالات التي نجد فيها التضخم معروفاً ومعدله متوقعاً، إنما المشكلة كما سبق الإيضاح في المدة الطويلة حيث تمتد عقود الإجارة الخاصة للأفراد إلى سن التقاعد أو إلى نهاية العمر (أيهما أقرب) فتنشأ المشكلة حقاً كلما طال الأجل بعد التعاقد الأصلي الذي تم فيه تحديد معدل الأجر لأول مرة.

وبسبب ظروف العلاقات العمالية في العصر الحديث وطبيعة عقود العمل الممتدة لآجال طويلة جداً من الزمن، فإن مشكلة الأجر تبدو أكثر من مشكلة الثمن المؤجل، سواء كان التضخم حاداً أو معتدلاً تدريجياً، ومتوقعاً أو مفاجئاً ذو معدلات متغيرة، وزيادة معدل الأجر تبعاً للنقص في القيمة الحقيقية للنقود لا يعني هنا أكثر من المحافظة على الحق العيني للعامل والذي حصل عليه بموجب تعاقده مع مستخدمه لأول مرة، أما إذا لم يتم هذا فإنه يعني استيفاء صاحب العمل لحقه من العامل مقابل أجر حقيقي أقل مما اتفق عليه أصلاً، وهذا يتعارض مع مبدأ العدالة الذي تحافظ عليه الشريعة في جميع الأمور، فثبات الأجر النقدي ليس إلا مظهراً خادعاً، ولقد تحدث الاقتصاديون كثيراً عن خداع النقود (الورقية) ، كذلك فإن زيادة الأجر النقدي بنسبة لا تعوض الفقد في القيمة الحقيقية للنقود ليس فيه وفاء بحق العامل، ويتضمن على سبيل التأكيد نسبة خداع أو غش. وعلى سبيل التأكيد ينبغي أيضاً أن نفرق هنا بين الزيادة المطلوبة في معدل الأجر النقدي بسبب التدهور في القيمة الحقيقية للنقود والزيادة التي يمكن أن يطالب بها العامل بسبب ارتفاع إنتاجيته الحقيقية على مدى الزمن أو لأي سبب آخر.

شروط العلاج وضرورة الحذر من الآثار السلبية أو الجانبية:

تختلف الشروط الأولية أو الضرورية للعلاج المقترح عن الشروط الكافية لتطبيقه، وسنبدأ بذكر الأولى.

إن الشروط الأولية أو الضرورية لتطبيق سياسة ربط الأجور بالمستوى العام للأسعار تتمثل أولاً في توافر إحصائيات دقيقة وصادقة عن أسعار السلع والخدمات المختلفة التي تدخل في تركيب الرقم القياسي لأسعار التجزئة، وذلك حتى يتم تقدير هذا الرقم تقديراً دقيقاً؛ ذلك لأن هدف العدالة الذي هو القصد من وراء عملية ربط الأجور بالرقم القياسي للأسعار قد يختل بدرجة أو بأخرى، أو ربما لا يتحقق إذا اعتمدنا على إحصائيات غير سليمة أو حسبنا الرقم خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>