للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنه مما يثير عجب رجل الاقتصاد المعاصر أن يقرأ آراء فقهية معاصرة، فيجد أن بعضها يصر على إلحاق النقود الورقية بالفلوس وأحكامها الشرعية في كل شيء، والبعض الآخر يصر على القول بأن النقود الورقية قد حلت محل النقدين الذهب والفضة حلولاً كاملاً (١) فهي بدل كما يقال، وللبدل حكم المبدل عنه مطلقاً، والمطلوب رأي اجتهادي تجديدي يأخذ في الاعتبار الوضع الصحيح للنقود الورقية، وهو أنها صالحة تماماً مثل الذهب والفضة في أداء وظائفها في الوساطة في التبادل وقياس القيم الحاضرة في الأجل القصير، خلال العام الواحد، ولكنها لا تصلح لأداء وظيفة النقدين النفيسين في حفظ الثروة، والوفاء بالالتزامات والحقوق الآجلة، أو قياس القيم الآجلة إلا إذا كان مستوى الأسعار مستقراً.

نحن إذاً بصدد حالة جديدة لم تكن معروفة؛ فلنواجهها كما هي دون أن تطغى علينا آراء مسبقة أو آراء فرضناها على أنفسنا عن طريق استدلال قمنا به أو قياس اعتقدنا بصحته، ولكن نتائجه لا تستقيم مع مصالح عامة الناس ولا تؤكد أولوية العدالة التي حرص عليها الإسلام دائماً.

أياً كان الأمر فإن رجل الاقتصاد الإسلامي لا يملك إلا أن يأخذ من بين الآراء الفقهية الموجودة إلا ذلك الرأي الذي يحرص على تحقيق مصلحة عامة المسلمين، ويتفق مع قضية التحليل العلمي للأمور الاقتصادية.

إن الأجر للعامل كالثمن للمبيع، وهناك اتفاق تام على هذه المسألة، فإذا كان الثمن حاضراً لمبيع حاضر، فإنه لا مشكلة بالنسبة للنقود الورقية حتى في ظل تغير الأسعار كما سبق الشرح، ذلك لأنه طالما اتفق المشتري والبائع فإننا نفترض أنهما قد استطاعا أن يقوما بتقدير مصلحتيهما في إطار السوق الحر ومتغيرات الأسعار والقيمة الحقيقية للنقود، أما إذا كان الثمن مؤجلاً لمبيع حاضر، فإن المناقشة الخاصة برخص النقود تصبح ذات أهمية.

والتفرقة هنا ضرورية بين التضخم المفاجئ وغير المفاجئ، وكذلك بين الحاد والمعتدل، فبافتراض تضخم مفاجئ وحاد يلزم النظر في الثمن المؤجل؛ حتى لا يقع ظلم بيِّن على البائع ولم تكن لديه قدرة بأي شكل على توقع أو تفادي ما حدث، وهذه الحالة ليست شائعة أو متكررة، وإلا لأثارت مشكلة حتى في خلال العام الواحد، وقد يكون التضخم مفاجئاً ولكن معتدلاً، وليس في هذا نفس المشكلة.


(١) انظر: سليمان بن منيع (الورق النقدي) حقيقته، تاريخه، قيمته، وحكمه، الطبعة الأولى ١٣٩١هـ / ١٩٧١م- مطابع الرياض، المملكة العربية السعودية، والطبعة الثانية ١٤٠٤هـ /١٩٨٤م والصفحات المشار إليها من الأخيرة (ص٧٠ وما بعدها)

<<  <  ج: ص:  >  >>