للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أبو يوسف رضي الله عنه من أكثر فقهاء المسلمين فهماً لمشكلة غلاء ورخص النقود الاصطلاحية –الفلوس- في عصره، وقوله فيها صار أساساً لاجتهاد الفقهاء من المذهب الحنفي فيما بعده، فهو يرى أنه يجب على المدين أن يؤدي (قيمة النقد) الذي طرأ عليه الغلاء أو الرخص يوم ثبوته في الذمة من نقد رائج.. ففي البيع تجب القيمة يوم العقد، وفي القرض يوم القبض (١) والقول الثاني في المشكلة عند بعض المالكية وهو أن التغير في قيمة النقد (الغلاء أو الرخص) إذا كان فاحشاً فيجب أداء (قيمة النقد) الذي طرأ عليه الغلاء أو الرخص (٢) (ولكن يلاحظ أن التغير الفاحش يجب أن يعرف تعريفاً موضوعياً دقيقاً وإلا أصبح مبهماً يحتمل التأويل) ، أما إذا لم يكن التغير في قيمة النقد فاحشاً فالمثل، وهذا القول يعني أن المشكلة توجد فقط في حالة التضخم الجامح الذي يصاحب أحوالاً غير عادية، تماماً مثل الحروب وهلاك المحاصيل أو انتشار أوبئة مهلكة تؤدي إلى نقص شديد في الناتج الكلي.. إلخ، والتعقيب الوحيد على هذا الرأي هو ذكر حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يحض على استثمار أموال اليتامى حتى لا تأكلها الصدقة وهي ٢.٥ %، فهل نعتبر أن معدل تضخم سنوي ٢٥ % حالة تستدعي النظر، حيث يأكل أموال اليتامى في سنة واحدة ما تأكله الصدقة في عشر سنوات، أم ماذا يكون التضخم الفاحش لدى أصحاب هذا القول من المالكية؟

والقول الثالث لأبي حنيفة والمالكية في المشهور عندهم والشافعية والحنابلة وهو (أن الواجب على المدين أداؤه هو نفس النقد المحدد في العقد والثابت ديناً في الذمة دون زيادة أو نقص وليس للدائن سواه) (٣) ، ويلاحظ أن هذا الرأي يتعرض للنقد الشديد إذا افترضنا أن حالة الغلاء أو الرخص كانت حادة ومستمرة، كما يحدث في عصرنا الحالي، أما قديماً حينما كان الغلاء يحدث حيناً والرخص يحدث حيناً آخر فالأمر قد يحتمل رأياً أو آخر.

وفي العصر الحديث نجد النقود الورقية المتداولة (أو ما ينوب عنها من نقود ائتمانية) تتماثل في الواقع العملي مع الفلوس في خصائص، وتتماثل مع النقود الذهبية أو الفضية في خصائص أخرى، فهي تتماثل مع الفلوس –ومع جميع أنواع النقود العرفية أو الاصطلاحية التي تفتقر إلى مالية ذاتية- في عدم قدرتها على حفظ الثروة وقياس وتسوية القيم الآجلة، خاصة كلما طال الأجل وتغيرت الأسعار، وتتماثل مع النقود الذهبية والفضية- ومع جميع أنواع النقود السلعية التي كانت متداولة قديماً- التي لها مالية ذاتية في مقدرتها على قياس القيم الحاضرة وأداء وظيفة الوساطة في التبادل (٤)


(١) نزيه حماد: تغيرات النقود والأحكام المتعلقة بها في الفقه الإسلامي.. مقال: ندوة الربط القياسي للحقوق والالتزامات من وجهة النظر الإسلامية، أبريل ١٩٨٧- جدة
(٢) نزيه حماد: تغيرات النقود والأحكام المتعلقة بها في الفقه الإسلامي.. مقال: ندوة الربط القياسي للحقوق والالتزامات من وجهة النظر الإسلامية، أبريل ١٩٨٧- جدة
(٣) نزيه حماد: تغيرات النقود والأحكام المتعلقة بها في الفقه الإسلامي، مقال: ندوة الربط القياسي للحقوق والالتزامات من وجهة النظر الإسلامية، أبريل ١٩٨٧ - جدة
(٤) انظر: عبد الرحمن يسري أحمد: (دراسات في علم الاقتصاد الإسلامي) ، ص٢١٤-٢١٨

<<  <  ج: ص:  >  >>