ولقد استبعدت المناقشات الفقهية فيما مضى حالات الرخص المستمر أو الغلاء المستمر للنقود، بناء على المشاهدات الواقعية، فلقد كان التقلب بين ارتفاع الأسعار وانكماشها أو رخص النقود وغلائها هو الأمر الشائع، أما الآن في عصرنا الحديث فلدينا حالة واضحة تماماً تتمثل في الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار أو التضخم الممتد لآجال طويلة، ومن ثم فلدينا حالة رخص مستمر ومتزايد في القيمة الحقيقية للنقود الورقية المتداولة، والتي هي نقود اصطلاحية، فإذا أضفنا إلى هذا ما توصلنا إليه من قبل بشأن عقود العمل التي أصبح معظمها ينطوي غالباً تحت مضمون الإجارة الخاصة، وأصبحت معظم هذه العقود ممتدة لآجال طويلة جداً، فإننا سنجد أمامنا حالة خطيرة تتمثل في ضرر مؤكد يقع على العمال الذين تبقى أجورهم المسماة عند التعاقد لأول مرة ثابتة، أو الذين تتغير معدلات أجورهم بشكل لا يعوضهم عن الفقد الحادث بسبب الرخص المستمر في قيمة النقود، هذه هي المشكلة التي يتعين علينا بحثها لنجد لها حلا.
علاج مقترح: الربط القياسي للأجور بالمستوى العام للأسعار:
من الممكن اقتراح مواجهة المشكلة المذكورة للأجور العمالية في إطار التدهور المستمر لقيمة النقد، والذي يحدث من خلال التضخم، بربط الأجور بالرقم القياسي للأسعار، وهذا العلاج له مزاياه وله مثالبه، وعلينا أن نناقش هذه وتلك قبل أن نقره أو لا نقره. وهذا العلاج يصنف ضمن أنواع العلاج النقدي حيث يعمل من خلال تغير الأجور النقدية تبعاً لتغيرات الأسعار، وجميع أنواع العلاج النقدي تعتبر قصيرة الأجل في عرف رجال الاقتصاد، ولا بد من التنويه بالملاحظات الآتية قبل الدخول في مزيد من التفاصيل عن العلاج المذكور:
أ- إنه لا يوجد في الغالب علاج وحيد ناجع لأي مشكلة اقتصادية قائمة على المستوى الكلي Macro Level، وقد يكون العلاج المقترح رئيسياً ومن ثم علينا أن نتبين أنواع العلاج الأخرى التي تصاحبه حتى يؤتي ثمرته المرجوة.
ب- إن العلاج النقدي الذي يعمل في الأجل القصير يختلف في طبيعته عن العلاج الهيكلي الذي يعمل في الأجل الطويل، والعلاج الهيكلي مطلوب وهو هدف حتمي للدول الإسلامية؛ حيث إنه يعمل من خلال الشريعة الإسلامية والالتزام بها نصاً وتطبيقاً في جميع الأمور وليس في جزء من الأجزاء أو أمر واحد دون الأمور الأخرى، وحيث هذا هو الوضع المنشود في الأجل الطويل يلزم علينا وضع تصور عن العلاقة بين العلاج المقترح في الأجل القصير والعلاج الهيكلي.
ج- إن أي علاج مقترح لا يمكن أن ينفصل عن العلاج الاجتماعي طالما أننا نتكلم في إطار الاقتصاد الإسلامي، ومن ثم علينا أن نضع نصب أعيننا تحقيق الهدفين الاقتصادي والاجتماعي معاً، أو على الأقل تحقيق الهدف الاقتصادي دون إضرار بالهدف الاجتماعي.