للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السؤال إذاً: هل امتداد عقود الإجارة الخاصة للعمال إلى سن التقاعد أو إلى الوفاة أيهما أقرب، والذي نشهده في غالبية المؤسسات الحديثة أمر غير جائز؟ بصفة مبدئية لا أعتقد هذا؛ لأن الامتداد في العقود ليس ملزماً أو إجبارياً، بمعنى أن العامل يستطيع الاستقالة من عمله أو يطلب عدم تجديد العقد، كذلك فإن صاحب العمل يستطيع اتخاذ قرار عدم تجديد العقد أو فصل العامل، صحيح أن بعض الشروط قد توضع في إجراءات الاستقالة أو إجراءات الفصل حماية لمصلحة هذا الطرف أو ذاك، ولكن هذه الإجراءات لا تعني أبداً أن عقد العمل للأجير الخاص ملزم بصفة مؤبدة، ويلاحظ أنه إذا أصبح عقد إجارة الأجير الخاص ملزماً بصفة مؤبدة أو مجدداً تلقائياً بصفة إجبارية إلى سن التقاعد أو إلى نهاية العمر تحت أي نظام من النظم السياسية أو التشريعية، فإنه يكون باطلاً، فالأجير الخاص يصبح في مثل هذه الظروف أقرب إلى العبد منه إلى الحر.

ولكن تبقى مسألة خطيرة مترتبة على طول مدة العقد ألا وهي الخاصة بالأجر خلال المدة الطويلة جداً، كيف يكون؟ هل يبقى ثابتاً عند المستوى المحدد عند التعاقد؟ أم يتغير؟ وكيف يتغير؟ هذه المسألة الخطيرة هي التي تحتاج إلى الاجتهاد حقاً، وهي التي نواجهها بطريقة أو بأخرى في هذا البحث.. إن المدة الطويلة تعني عادة زيادة الكفاءة الإنتاجية للعامل بسبب اكتسابه مهارات إضافية أو مزيداً من التعليم والتدريب، وهذا يعني زيادة قيمة المنفعة أو الخدمة التي يقدمها العامل خلال الوقت، والتي يحصل عليها صاحب العمل وفقاً للعقد، فكيف يبقى الأجر ثابتاً عند مستواه الأول عند التعاقد؟ (مثلاً منذ عامين أو منذ عشرة أعوام أو أكثر..) ، كذلك فإن المدة الطويلة تعني احتمال نقص الأجر الحقيقي للعامل كلما ارتفعت الأسعار –أي كلما انخفضت القيمة الحقيقية للنقد، فكيف لا يتم تعديل الأجر النقدي حتى نحافظ- على الأقل- على الأجر الحقيقي؟ كذلك فإن المدة الطويلة تعني تزايد الفجوة بين الأجر المتعاقد عليه في سنة ما مع متوسط أجر المثل الجاري في السوق.

كل هذه الاحتمالات تثير بقوة قضية عدالة الأجر في عقود العمل الخاصة الممتدة لآجال طويلة جداً.

<<  <  ج: ص:  >  >>