للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الظاهرة –أي عقود العمل الطويلة الأجل جداً أو المجددة تلقائياً إلى سن التقاعد أو لنهاية العمر لم تعرف في العصور الوسطى، بل ولم تعرف إلى قرن مضى، وكان الأمر الغالب في هذه المجتمعات بطبيعة ظروفها الاقتصادية هي عقود الإجارة الخاصة قصيرة الأجل ليوم أو لأيام أو لشهور أو عام.. ومن أطول عقود الإجارة الخاصة زمناً في العهد القديم ما جاء ذكره في قصة النبي موسى عليه السلام {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} [القصص: ٢٧] .

ولم أجد في المصادر الفقهية التي اطلعت عليها ما يدل على اهتمام بمناقشة طول المدة أو قصرها في حالة الأجير الخاص، وربما هذا لظروف العصر كما ذكرنا، ولكن حيث تدخل إجارة العمل في باب الإجارة بصفة عامة يمكن لنا الاستفادة من المناقشة الخاصة بالمدة وطولها في حالة الدور والأراضي، لقد ورد في شرح القدير لابن الهمام- باب الإجارة قوله: (قد تقدم أن المنفعة لا بد أن تكون معلومة في الإجارة، فلا بد من بيان ما تكون به تكون معلومة، فتارة تصير معلومة بالمدة، كاستئجار الدور للسكن والأراضي للزراعة مدة معلومة وكائنة ما كانت؛ لأن المدة إذا كانت معلومة كان مقدار المنفعة فيها معلوماً) ثم يضيف: (ولا فرق بين طويل المدة وقصيرها عندنا إذا كانت بحيث يعيش إليها العاقدان؛ لأن الحاجة جوزت الإجارة لها قد تمس إلى ذلك، وهي مدة معلومة يعلم بها مقدار المنفعة، فكانت صحيحة كالأجل في البيع، وأما إذا كانت بحيث لا يعيش إليها أحد المتعاقدين فمنعه بعضهم؛ لأن الظن في ذلك عدم البقاء إلى تلك المدة، والظن مثل التيقن في حق الأحكام، فصارت الإجارة مؤبدة معنى، والتأبيد يبطلها وجوزه آخرون) (١)


(١) شرح القدير لابن الهمام، والعبارة مقتطفة من الشرح على الهامش للإمام أكمل الدين محمد بن البابرتي المتوفى سنة ٧٨٦هـ، (شرح العناية على الهداية)

<<  <  ج: ص:  >  >>