للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً: يستحق الأجر في الحالة التي يطلق عليها الفقهاء (الأجير الخاص) عن مدة مؤقتة معلومة للطرفين، ذلك لأن صاحب العمل يتسلط وحده على منافع أو خدمات الأجير خلال المدة التي يتفقان عليها من غير بيان مسبق للعمل أو مع بيان طبيعة هذا العمل وأوصافه، ولكن دون تحديد لكمية أو مقدار العمل المطلوب في المدة (وإلا فسدت الإجارة) .

وحالة الأجير الخاص أقرب ما يكون إلى الحالة الشائعة التي نجدها في مجتمعاتنا الحديثة للعمال الأجراء، سواء كانوا ممن يعملون بأيديهم أو بأذهانهم، ففي معظم الحالات نجد أن الاتفاق يتم بين صاحب عمل وبين عامل يعمل لديه على أساس معدل أجر بالساعة أو باليوم أو بالأسبوع أو بالشهر، والعامل عادة يتعاقد على القيام بعمل معين ذي طبيعة معينة أو أوصاف محددة، لكن دون تحديد لمقدار العمل أو كميته أو نوعيته التي تلزم، وفي الممارسة العملية (خارج نطاق العقد) ، قد يحدد صاحب العمل كماً معيناً من الإنتاج كمتوسط لإنتاجية العامل في الساعة أو في اليوم.. إلخ فإذا زادت إنتاجية العامل فوق المتوسط المتوقع استحق مكافأة أو ترقية، أما إذا حدث العكس تعرض العامل للفت نظره، وربما زادت رقابة صاحب العمل عليه أو ربما فكر في الاستغناء عنه بمجرد انتهاء فترة التعاقد معه، وكل هذا من حقه، ولا أعتقد أن هذا يثير خلافاً من الناحية الشرعية.

لكن الأمر الذي يدعو إلى البحث هو مدة التعاقد في حالة الأجير الخاص التي كما ذكرنا تعتبر الحالة الأكثر شيوعاً في العصر الحديث، ففي حالات قد يتم الاتفاق مع الأجير الخاص على يوم أو أسبوع أو شهر أو عام، ولكن في معظم الحالات أصبحت مدة الإجارة الخاصة ممتدة لأعوام ومتجددة تلقائياً، ففي مجالات النشاط الحديث: صناعي أو تجاري أو خدمي أو أولي أصبحت المؤسسة القائمة تعمر أكثر مما يعمر الرجال بسبب انفصال هيكلها المالي أو التنظيمي عن الأعمار الطبيعية لملاكها، كما أصبح سوق العمل منظماً عما كان عليه الأمر قديماً، واتخذت عقود العمل في الحالة التي يسميها الفقهاء الإجارة الخاصة، في ظل الظروف المذكورة، أبعاداً زمنية لم تكن معروفة فيما مضى، حتى إن العقد قد يجدد تلقائياً حتى سن التقاعد (في الستين مثلاً) أو حتى الوفاة أيهما أقرب، وهذه الظاهرة متكررة بعينها في حالات جميع العمال أو الموظفين الذين يشتغلون في الأجهزة والإدارات الحكومية.

<<  <  ج: ص:  >  >>