للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ملاحظات وتعقيب:

في نهاية عرض ما سبق من اجتهادات فقهية لدينا ملاحظات ثلاث نرفق بكل منها تعقيباً مناسباً في سبيل بلورة قاعدة ننطلق منها إلى مواجهة علاجية للمشكلة المطروحة في هذا البحث.

أولاً: هناك اتفاق على أن الأجر يستحق مقابل أداء عمل معين أو مسمى أو مشار إليه، وذلك من الشخص الذي يطلبه بالاتفاق مع الأجير، ويجوز للأجير في هذه الحالة قبول أداء أعمال مماثلة لأشخاص آخرين في نفس الوقت وفقاً لما يتفق عليه، وهذه الحالة التي أسماها الفقهاء (الأجير المشترك) لا تقع ضمن حالات العمال الأجراء الذين نهتم ببحث مشكلة أجورهم الحقيقية في ظل الارتفاع المستمر في الأسعار، فالذي جرى الاصطلاح على تسميتهم أجراء مشتركون هم الذين يصنفون في الفكر الحديث كعمال حرفيين أو مهنيين مستقلين، حيث إنهم يملكون أدواتهم ومعداتهم الخاصة وكثيراً ما يكون لديهم أماكنهم أو محلاتهم الخاصة التي يمارسون، وقد يكون لديهم أيضاً عمال أجراء يعملون من خلالهم بأجور مضمونة بغض النظر عن مخاطر الأعمال التي يتعهدون بها، ومن ثم فإن قضية الأجير المشترك تختلف عن قضية غالبية العمال الأجراء الذين يعملون من خلال الغير في مؤسسات أو شركات أو هيئات.. إلخ، والواقع أن الأجير المشترك صاحب عمل أو سيد نفسه، بمعنى أنه يقوم بالاتفاق بصفة مباشرة مع أصحاب الحاجات لخدماته على مسؤوليته الخاصة (لهذا تكلم الفقهاء عن مسألة تضمين الأجير المشترك، يضمن أو لا يضمن) ، وهو لا ينتج سلعة مثل الصانع أو المزارع ولا يشتري سلعة ليبيعها كالتاجر، وإنما يبيع الخدمات Services، وهي التي أطلق عليها الفقهاء لفظة (المنافع) وفي مجال بيع خدماته يتفق الأجير المشترك (أو صاحب المهنة أو الحرفة كما هو المصطلح الحديث) على ثمن محدد لهذه الخدمات مع من يطلبها منه، وذلك بصفة مباشرة، وقد أطلق الفقهاء على ثمن الخدمة التي يقوم بها الأجير المشترك مصطلح الأجر، وهذا لا يعترض عليه لغوياً أو منطقياً حيث هو من قبيل الأجر فعلاً، ولكن وجه الاعتراض يأتي من حيث اختلاف المفهوم الاقتصادي العام للأجر مع هذا المفهوم الخاص، فالأجر وفقاً للمفهوم العام الحديث مبلغ من النقود (أو ما يحل محلها) يستحقه العامل بالتعاقد مع صاحب عمل مقابل وقت محدد يقضيه للعمل لديه أو عمل محدد يؤديه من خلاله ولا يتحمل العامل بأية حال مسؤولية ما يقوم به من عمل، بل يتحمل ذلك صاحب العمل، فالأجر ثمن مضمون لخدمة يؤديها العامل بعقد قائم على التراضي بينه وبين صاحب العمل، فلا علاقة للعامل بالسوق أو بأصحاب الحاجات مباشرة مثل الأجير المشترك والذي من خلال وضعه المميز يستطيع أن يساوم على أجره كلما تغيرت ظروف الطلب على العمل أو ظروف الأسعار، ومقابل هذه الميزة فإن الأجير المشترك وهو حرفي أو مهني مستقل يتحمل مسؤولية مباشرة عن أي عمل يتعهد به تجاه من يطلبه، ومن ثم فإن أجره ليس مضموناً مثل العامل الأجير الذي يعمل من خلال الغير.

لكل ما سبق فإن حالة الأجر بالنسبة للأجير المشترك لا تثير نفس المشكلة التي نهتم ببحثها في هذا المقال.

<<  <  ج: ص:  >  >>