وقد استوفى ابن القيم وجوه الحكمة في المنع من التداوي بالمحرمات بعد أن أورد الأدلة الصحيحة على هذا الاتجاه المشهور لدى الفقهاء، وهو يشير إلى أن المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلاً وشرعاً.. لأن تحريمها على الأمة ليس عقوبة، بل هو لخبثها، فحرمت صيانة عن تناولها وحفظها من أخطارها، فلا يناسب العودة إليها للاستشفاء.
وفي اتخاذها دواء ترغيب بها ينافي داعي التحريم إلى تجنبها.. والأخذ بها يكسب النفس من خبثها بالانفعال البين الحاصل بالدواء.. وإباحة التداوي بها يكون ذريعة لتناولها للشهوة واللذة، والشارع يسد ذرائع الفساد.. ولا يخلو الدواء المحرم من أضرار تزيد على ما يظن فيه من الشفاء. ثم أشار إلى سر لطيف في كون المحرمات لا يستشفى بها هو افتقارها إلى عنصر التلقي بالقبول واعتقاد المنفعة والبركة المجعولة للشفاء.. واعتقاد تحريمها يحول بين المسلم وبين تلك العوامل.
ومما يذكر عن ابن النفيس أنه في مرضه الأخير وصف له بعض الأطباء تناول شيء من الخمر، إذ كانت علته تناسب أن يتداوى بها على ما زعموا، فأبى أن يتناول شيئاً من ذلك وقال: لا ألقى الله تعالى وفي باطني شيء من الخمر.
ولعل في هذه العجالة غنى عن تفصيل الكلام في هذا الموضوع. (١)
النظر للعورة للعلاج:
في ظل القاعدة الشرعية المعروفة: الضرورات تبيح المحظورات والقاعدة الأخرى التي تقضي بارتكاب أهون الضررين اتقاء لأشدهما، اعتبر تحريم النظر إلى العورة قاعدة لها مستثنيات لا تختص بطبيب دون غيره.. لكن التطبيق العملي كشف أن العلاج أشهر التطبيقات التي خرجت عن القاعدة.. وليست كلها، فهناك النظر لأداء الشهادة مثلاً، وأمور أخرى قد آلت بالتطور إلى الطب نفسه كما سنرى.
ولا يخفى أن العورة من الرجل ما بين السرة إلى الركبة، ومن المرأة البدن كله عدا الوجه والكفين، والعورة المغلظة هي الفرج وما حوله. وعلى هذا فإن ما فوق السرة وما تحت الركبة هو القدر المباح للنظر إليه من الرجل بالنسبة للرجل، ومن الرجل لمحارمه، ومن المرأة للمرأة، ومن المرأة للرجل، أما نظر الرجل إلى المرأة فالقدر المباح منه هو الوجه والكفان.
(١) لابن تيمية كلام دقيق في التداوي بالمحرم ومناقشته من زعم تعين الدواء في بعض المحرمات. مجموع فتاوى ابن تيمية ٤/٣٧٢ - ٣٧٦