للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحكام بعض الإجراءات الطبية

العلاج بالفعل المخوف:

لعله لا يخرج من دائرة ارتكاب أهون الضررين ما ذهب إليه بعض الفقهاء في قضية العلاج بالأفعال التي يخاف منها التلف أو السراية (المضاعفات) ، بدلالة ما أردفوا به هذه المسألة من تفصيلات بأنه إذا خيف التلف من ترك الفعل كان القيام به جائزاً، بل واجباً.. كما صرحوا بحل قطع عضو استقر فيه الداء وخشي انتشاره في سائر الجسم.

ولا يخفى أن المعيار المشار إليه هو المحكم، وما جاء على غير ذلك ربما من التأثر بالأوضاع الزمنية ...

وكان مما ثار الجدل فيه في غيبة مراعاة القاعدة: الكي. (١)

تشريح بدن الإنسان:

كان لهذا الموضوع صداه قديماً باقتصار البعض على التمسك بمبدأ تكريم بني آدم وتحريم المثلة (وتحريم كسر عظم الميت في بعض الأحاديث) دون مراعاة المقاصد الأخرى من حفظ النفس بشتى الوسائل المؤدية لحفظها.. ومن تلك المقاصد التي تسعف نصوص التشريع وعبارات الفقهاء بمراعاتها:

شق بطن الأم الميتة لحفظ حياة الجنين، والتشريح لتعلم الطب، ولكشف جريمة.. ومما جاء في ترجمة ابن النفيس (وهو فقيه مشهور، فضلاً عن أنه طبيب) وغيره أنهم كانوا يذهبون إلى المقابر فيلاحظون بعض العظام التي تنكشف عنها القبور القديمة ويراقبون مفاصلها، فضلاً عن تشريحهم بعض الحيوانات، ولا يخفى أن حرمة بدن الإنسان الميت موفورة إذا كان تشريحه لمصلحة أكبر.

ومما يتبع هذا قضية الاستفادة من أعضاء الموتى لتعويض نقص أو تلف في الأحياء، وهي مسألة مركبة من نواح متعددة، ولا تخرج عن نصوص الأمر بالتعاون وقاعدة ارتكاب أهون الضررين المشار إليها.

العلاج بالمحرم أو النجس:

الأصل المنع من ذلك لنفس المقاصد والغايات التي يرمي إليها الشارع في المنع من بعض الأشياء (غذاء كانت أو دواء) واعتبارها محرمة بالنص على تحريمها أو الحكم بنجاستها.

وقد اتجه جمهور الفقهاء هذا الاتجاه المنسجم مع علل المنع ما ظهر منها وما بطن.. على أن بعضهم رأى فسحة في استعمال المحرم أو النجس فيما إذا تعين ذلك دواء للمريض، وأجرى هنا أحكام الضرورة التي يباح معها ارتكاب المحظور.. في حين أبدى الجمهور فرقاً بين الدواء الذي هو مظنون وله بدائل وبين الغذاء الذي به قوام البدن والغنى عنه مطلقاً، فإذا اضطر إليه الإنسان غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه.


(١) غذاء الألباب ٢/٢١-٢٣

<<  <  ج: ص:  >  >>